عشية قمة بروكسل، التي سيحضر رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون، جانباً منها، أبدت برلين وباريس وروما معارضتها لفتح مفاوضات مع بريطانيا، رسمية أو غير رسمية، حول مرحلة ما بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي، وذلك طالما لم تقدم رسمياً طلب الانسحاب كما أعلنت المستشارة الألمانية، انجيلا ميركل.وفي إشارة إلى المادة 50 من "معاهدة لشبونة" التي تتعلق ببدء عملية خروج بلد ما من التكتل، قالت ميركل، في ختام لقائها الرئيس الفرنسي، فرنسوا هولاند، ورئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، في برلين: "نحن متحدون في ضرورة تفعيل المادة، ولا يمكن اتخاذ أي خطوات أخرى قبل اتخاذ هذا القرار".
وبينما اعتبر هولاند أنّ "الحسّ بالمسؤولية يتضمن عدم إضاعة الوقت لمعالجة مسألة رحيل بريطانيا"، أعلنت ميركل أنّ برلين وباريس وروما تنوي أن تقترح على الدول الأخرى في الاتحاد الاوروبي "إعطاء زخم جديد" للمشروع الأوروبي في مجالات الدفاع والاقتصاد خصوصاً، بهدف الحيلولة دون تقدم "القوى النابذة" في أوروبا ودون أن تستمد دول أخرى أفكاراً من الاستفتاء البريطاني. ومن المتعارف عليه تاريخياً أن الاتحاد الأوروبي عربةٌ يقودها حصانان، هما فرنسا وألمانيا، وبالتالي من الطبيعي أن تكون هناك مبادرة فرنسية ــ ألمانية تقدم إلى قمة بروكسل للتعامل مع الحال الجديد للاتحاد. ويدور الحديث عن ورقة استراتيجية تتناول مجالات "الدفاع والنمو والتوظيف والتنافسية".
تتناول المبادرة المطروحة مجالات الدفاع والنمو
والتوظيف والتنافسية

وربما أراد الأوروبيون من هذا الاجتماع، ومن الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية الذي يُعَدّ لقمة بروكسل، أن يشكلا الرسالة الأولى إلى بريطانيا بأن الاتحاد الأوروبي ليس ضرورةً فحسب، بل هو مؤهل بقوة ليكون كذلك، وأنهم لن يسمحوا لأحد بأن يسلبهم أوروبا كمشروع للسلام والاستقرار.
إلى جانب الحراك الأوروبي عشية قمة بروكسل، كان لافتاً أمس دعوة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، القادة الأوروبيين إلى الهدوء في مفاوضات خروج بريطانيا والدفاع عن "القيم والمصالح التي قربتنا". وقال كيري، في لقاء مع صحافيين في بروكسل قبل توجهه إلى لندن، إنه "أمر أساسي أن نبقى مركزين في هذه المرحلة الانتقالية، حتى لا يفقد أحد صوابه ويتصرف من دون تفكير".
وأضاف أن على واشنطن وأوروبا أن "تريا كيف يمكن المحافظة على القوة التي تخدم المصالح والقيم التي جمعتنا منذ البداية. وهذا هو المهم". كذلك شدد كيري على أنه رغم قرار البريطانيين، فإن تلك القيم المشتركة ستصمد، وإن بقاء "الاتحاد الأوروبي قوياً" هو مسألة أساسية بالنسبة إلى واشنطن.
وعقب لقاء مهم جمعه إلى أمين "حلف شمال الأطلسي"، ينس ستولتنبرغ، في بروكسل، قال كيري إن خروج بريطانيا لن يؤثر بقمة الحلف المقررة الشهر المقبل في وارسو، وتوقع "تقدماً أكثر قوة للحلف... لن يتغير ذلك قيد أنملة نتيجة للتصويت الذي جرى". وقد تلاقى حديث ستولتنبرغ مع إعلان كيري، حين أعرب عن اعتقاده أن "حلف شمال الأطلسي أصبح أكثر أهمية كمنبر للتعاون بين أوروبا وأميركا الشمالية، وكذلك في ما يتعلق بالتعاون الدفاعي والأمني بين الحلفاء الأوروبيين".

بريطانيا: الانفصال مؤجّل؟

على الجهة الأخرى، لم تخرج بريطانيا بعد من الجوّ العام الذي خلقته نتائج الاستفتاء، في وقت رد فيه ديفيد كاميرون بصورة غير مباشرة على دعوات الأوروبيين، وقال أمام مجلس العموم إن حكومته ستشكل وحدة جديدة لشؤون الاتحاد الأوروبي تابعة لرئاسة الوزراء، وإنها "لن تفعّل المادة 50 من معاهدة لشبونة... (لأن) علينا أن نحدد شكل علاقات بريطانيا جيداً مع الاتحاد الأوروبي قبل ذلك، وهذا الأمر سيتولاه رئيس الوزراء المقبل".
ودعا كاميرون مجلس العموم إلى قبول نتيجة الاستفتاء، معتبراً أنه "بينما تغادر بريطانيا الاتحاد يجب ألا تدير ظهرها له أو للعالم". وفيما أشار إلى أن بلاده تنتظرها "مرحلة صعبة"، أكد أنّ اسكتلندا، وويلز، وإيرلندا الشمالية، ستأخذ أماكنها على طاولة المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.
في هذا الوقت، بدأ يكثر في بريطانيا الجدال حول إمكانية إجراء استفتاء ثانٍ في مرحلة سياسية مناسبة، خاصة أنّ الموقعين على عريضة تطالب بتنظيم الاستحقاق تجاوزوا أمس 3,7 ملايين.
وبينما يستبعد المحللون تنظيم استفتاء في المدى المنظور، رأى أستاذ العلوم السياسية في جامعة "كنغز كولدج" في لندن، اناند منون، في حديث إلى "فرانس برس"، أنّ "هذا ليس مستبعداً إذا غرقت المملكة في أزمة اقتصادية عميقة". وأضاف أنه "ينبغي مهما حصل انتظار تعيين رئيس وزراء جديد، وربما أطول من ذلك إذا قرر هذا الأخير الدعوة إلى انتخابات جديدة كما لمّح بوريس جونسون" الذي يُعَدّ الأوفر حظاً لرئاسة الحكومة.
وفي السياق، أشار أستاذ القانون العام في "جامعة ادنبره" إلى أن "المعطيات يمكن أن تتغير في حال انهيار الحكومة المقبلة المؤيدة للمغادرة ونُظِّمَت انتخابات جديدة... بعد ذلك، إذا كان البرلمان المنتخب غالبيته مؤيدة للبقاء، فسيكون لديه تفويض واضح بإنهاء عملية الانفصال".