انقسم الحدث التركي بين مجالَين أمس، أولهما داخلي يتمثّل بمواصلة السلطات التركية لسياسة الاعتقالات و«تطهير» مجمل الإدارة من «الخونة»، فيما كان الثاني خارجياً، على علاقة باستمرار التجاذبات الكلامية بين أنقرة وحلفائها الغربيين الذين استغلوا فرصة لقائهم في بروكسل، وأطلقوا مواقف واضحة تشدّد على ضرورة التمسك بـ«قيم دولة القانون».وفي أول مقابلة له عقب محاولة الانقلاب، خرج الرئيس رجب طيب أردوغان، عبر شبكة «سي أن أن» الأميركية، ليطلب من واشنطن تسليم أنقرة الداعية فتح الله غولن، وذلك بموجب «الاتفاق المشترك لتسليم المجرمين».
وبرّر إمكانية اللجوء إلى عقوبة الإعدام مجدداً بحق متهمين بالانقلاب، بالقول إنّ «هناك جريمة خيانة واضحة والطلب (إلحاق عقوبة الإعدام) لا يمكن أبداً أن ترفضه حكومتنا. لكن بطبيعة الحال سيتطلب الأمر قراراً برلمانياً، وبعد ذلك، وكرئيس للبلاد، سأوافق على أي قرار يصدر عن البرلمان». وفي لغة مريبة، أضاف: «الآن لدى الناس فكرة بعد العديد من الأحداث الإرهابية، بأن الإرهابيين لا بد من قتلهم... لماذا ينبغي إبقاؤهم وإطعامهم في السجون على مدى سنوات مقبلة، يريدون (الناس) نهاية سريعة، لأن الناس فقدوا أطفالاً... هناك أمهات وآباء حزناء ويعانون».
وفيما كان الجميع يتابعون مقابلة الرئيس التركي مساءً، كانت يوميات تركيا «ما بعد الانقلاب» تشهد أمس ارتفاع عدد الاعتقالات ووصولها إلى إدارات ووزارات لا علاقة لها بالشأنين العسكري والأمني، أو حتى الشأن القضائي، مثل وزارة المالية، إذ نقلت وكالة «الأناضول» شبه الرسمية عن مصادر في الوزارة قولها إنّه «أُوقف 1500 موظف عن العمل مؤقتاً ولمدة غير محددة، وهي عمليات ستستمر»، بينما ذكرت قناة «سي. إن. إن تورك» أنّ 30 حاكماً إقليمياً وأكثر من 50 من كبار الموظفين أقيلوا أيضاً.
ومن ضمن الأطر الجديدة التي أقرّتها الحكومة لاحتواء الأوضاع، ألغت الإجازات السنوية لنحو ثلاثة ملايين موظف، وأمرت من كان منهم في إجازة حالياً «بالعودة إلى وظائفهم بأسرع ما يمكن».
لا بدّ من قتل الإرهابيين وعدم تركهم في السجون وإطعامهم

وفي إطار حملة «التطهير» التي بدأت قساوتها تعكس حجم مخاطر الانقسام العمودي في تركيا، أعلن رئيس الوزراء بن علي يلدريم، توقيف 6038 عسكرياً و755 قاضياً (يشمل الرقم عزل 48 قاضياً يتبعون للمحكمة الإدارية العليا)، ومئة شرطي. وتضم القائمة 103 جنرالات وأميرالات، بينهم قائد القوات الجوية السابق، أكين أوزتورك، الذي تضاربت الأنباء أمس حول اعترافه بالتحضير للانقلاب.
وفي السياق، قال مسؤول أمني كبير لوكالة «رويترز» إن قوات الأمن ما زالت تبحث عن بعض العسكريين المتورطين في محاولة الانقلاب، مستبعداً وقوع محاولة جديدة للاستيلاء على السلطة. وأضاف أنّ القيادة العسكرية تلقّت «ضربة ثقيلة من ناحية التنظيم»، لكنها ما زالت تعمل بالتنسيق مع جهاز المخابرات والشرطة والحكومة، مشيراً كذلك إلى أن «بعض المسؤولين العسكريين الكبار المتورطين في محاولة الانقلاب فروا إلى الخارج».
على صعيد آخر، تواصل التجاذب الكلامي بين أنقرة وحلفائها على خلفية طبيعة الملاحقات المتبعة من قبل السلطات التركية، بينما أبلغت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أردوغان «بوضوح تام» أن إعادة تطبيق عقوبة الإعدام ستقضي على أي فرص لانضمام بلاده إلى الاتحاد الأوروبي، مشددة على أن موجة الاعتقالات في صفوف الجيش والشرطة والقضاء «مصدر قلق كبير» لبرلين، وفق ما أعلنت متحدثة باسم الحكومة الألمانية. وهو موقف يتطابق إلى حد بعيد مع موقف وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني.
تزامناً، أعلن البيت الأبيض مساءً أنّ واشنطن (التي رفض سفيرها لدى أنقرة أمس تلميحات مسؤولين إلى دعم بلاده للانقلاب)، «تدعم بقوة الحكومة المنتخبة ديموقراطياً في تركيا»، موضحاً أنّ «الأمر الذي سيوضحه المسؤولون الأميركيون لنظرائهم الأتراك هو أن من المهم بالنسبة إليهم التحلي بضبط النفس واحترام ومراعاة الإجراءات القانونية وحماية الحريات التي يكفلها الدستور التركي». وكذلك كان موقف وزير الخارجية، جون كيري، حين أبدى خشيته في بروكسل إثر لقائه وزراء الاتحاد الأوروبي، من «اتخاذ إجراءات بعيدة عن حكم القانون». وفي ما له علاقة بالداعية فتح الله غولن، دعا كيري تركيا إلى تقديم أدلة «يمكن التحقق منها» بدلاً من مزاعم. ولمّح إلى أنّ عدم احترام مبادئ الديموقراطية يهدّد وجود تركيا في «حلف شمال الأطلسي»، وهو تصريح يتلاقى مع إعلان الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، عقب اتصاله بأردوغان.
(الأخبار)