بعد حوالى أسبوعين على تولّيها منصبها، قامت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة، تيريزا ماي، بجولة على العاصمتين الأبرز في الاتحاد الأوروبي، برلين وباريس، لفهم موقف قادتهما من الخطوة التالية لبريطانيا، أي الخروج فعلياً من الاتحاد الأوروبي. وفيما بدا هولاند أكثر تشدداً من ميركل، أدارت المستشارة الألمانية اللقاء بمواقفها الكلاسيكية المعتادة.
ميركل تعطي البريطانيين ترف الوقت لكنها لن تضرّ باقتصاد بلادها
ولا يبدو أن الأيام المقبلة على رئيسة الوزراء البريطانية ستكون أسهل، على الرغم من تكرارها مراراً لعبارة أن «البريكست يعني البريكست»، غير أنه من غير الواضح بعد «أي بريكست تريد ماي»، وفق مارتن كيتل في «الغارديان». وفق كيتل، فإن ما سيعنيه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، هو «عكس ما يرغب فيه مشجّعو معسكر البقاء»: هؤلاء يرغبون في علاقة «ما قبل البريكست» مع الاتحاد الأوروبي، وما يعنيه ذلك من الإبقاء على حرية الدخول إلى السوق الأوروبي، وهو ما تريده الشركات. والمشكلة في هذه المعادلة بالنسبة لماي، تكمن في أن بريطانيا لن تحتفظ بحرية الدخول إلى السوق من دون أن تبقي على حرية تنقل الأشخاص واستمرار المساهمة في موازنة الاتحاد، ما من شأنه «أن يكون له نتائج كارثية انتخابياً على المحافظين».
وهو ما لا يبدو أن الشركاء الأوروبيين سيقبلون به أيضاً. ففي باريس، حيث حطّت ماي بعد جولتها الألمانية، تلقّت رئيسة الحكومة البريطانية «تحذيراً» من الرئيس فرانسوا هولاند الذي أوضح موقف بلاده بأنه لا يمكن لبريطانيا دخول سوق الاتحاد الأوروبي ما لم تحترم مبادئ التنقل الحر للأشخاص. وفي مؤتمر صحافي مشترك مع ماي، أول من أمس، في الإليزيه، أكد هولاند أن «هذه النقطة هي الأهم، وستكون هي موضوع المفاوضات»، مضيفاً أن «بريطانيا اليوم هي جزء من سوق الاتحاد الأوروبي لأنها تحترم الحريات الأربع، وإذا أرادت أن تبقى جزءاً من هذه السوق، فالأمر بيدها ويتعلق بمدى نيتها الحفاظ على تلك الحريات التي لا ينفصل بعضها عن بعض. لا يمكن أن يكون هناك حرية تنقل للبضائع، وحرية لتنقل رأس المال والخدمات، ولا حرية لتنقل الأشخاص».
ومن شأن تعليقات هولاند الأخيرة أن تزيد من صعوبة تحقيق خطة وزير الخارجية البريطاني الجديد، بوريس جونسون، وأحد أبرز صور «حملة الخروج»، والتي تفضّل «تحرير السوق» مقابل «وضع حدّ للهجرة». ومع ذلك، فإن الرئيس الفرنسي أبدى دعماً أكبر لرئيسة الوزراء البريطانية في ما يتعلق بخطوة تأجيل تحريك المادة 50 من اتفاقية لشبونة حتى نهاية العام الحالي للبدء فعلياً بإجراءات الخروج التي تستمر لعامين. ولم يُخف هولاند موقفه بضرورة تعجيل البدء بهذه الإجراءات، «كلما بدأنا أبكر كان ذلك أفضل»، على حدّ تعبيره، وذلك «لضمان استقرار الأسواق والوظائف».
من جهتها، كانت المستشارة الألمانية أقل حدة من الرئيس الفرنسي، فقد أبدت دعمها لقرار ماي تأجيل تفعيل المادة 50، لأن «من الصحيح والضروري أن تأخذ بريطانيا وقتها لتكتشف ماذا تريد أن تفعل». وعلى عكس فرانسوا هولاند، لم تعلق ميركل على الاتفاق الذي تريده بريطانيا، أي الحد من حرية تنقل الأشخاص مع الإبقاء على حرية السوق، قائلة «إننا في ألمانيا سنستمع إلى المملكة المتحدة، وسننتظر ما ستقرره بريطانيا، وحينها سنخرج بالإجابة المناسبة». لكن الموقف الألماني «الرقيق» لا ينبغي أن يفهم أنه «ضعف أو عدم وجود قرار»، وفق مقال للباحث في الشؤون الألمانية، مات كفورتروب، في صحيفة «الغارديان» البريطانية. ويرى كفورتروب أن الموقف الألماني سيكون أكثر حدة في المستقبل، إذ «يوجد دلائل على أن ألمانيا ستصعب الأمور، خصوصاً مع تأكيد ميركل أنها ستتبع القوانين بمجرد تفعيل المادة 50». وبالتالي، فإن إعطاء ميركل للبريطانيين «ترف الوقت»، ليس سوى «خطوة كلاسيكية أخرى لميركل التي تجمع الحقائق وتحللها لتأخذ القرار المناسب»، ولا يعني أنها «ستعطي أي قرار لا يناسب الاقتصاد الألماني». ويأتي ذلك خصوصاً أن ميركل أبدت صلابة في السابق برفض إعطاء بريطانيا حرية الدخول إلى السوق الأوروبي، مقابل عدم وجود حرية تنقل الأشخاص.

(الأخبار)