أدى الديموقراطيون، مساء أول من أمس، العرض الواجب عليهم في اليوم الأول من مؤتمرهم الوطني المنعقد في فيلادلفيا، الذي يتواصل على مدى أربعة أيام. سخّروا المناسبة لبثّ الرعب في النفوس من المرشح الجمهوري دونالد ترامب، وجمعوا ذخيرتهم دفاعاً عن مرشحتهم هيلاري كلينتون، في ظل الانقسام الذي يشهده الحزب، على خلفية كشف قضية تسريب رسائل إلكترونية داخلية تشير إلى تفضيل الذراع الإدارية لكلينتون على منافسها برني ساندرز. أجمعت كافة التصريحات على أهمية وزيرة الخارجية السابقة كقائدة للمرحلة، حتى أن ساندرز نفسه كان من أشد المدافعين عنها. أما السيدة الأولى ميشيل أوباما، فقد استحضرت كل "مهاراتها" الخطابية للحديث عن ميّزاتها، واصفة إياها بأنها "الشخص الوحيد المؤهل ليكون رئيساً للولايات المتحدة". ومع انتهاء هذا اليوم، كان تسليط الضوء على خطاب ميشيل أوباما أكثر من غيره، خصوصاً لناحية تحفيزها مشاعر الحاضرين والمشاهدين، عندما قالت: "أستيقظ، كل صباح، في بيت بناه العبيد وأشاهد ابنتيّ ــ شابتين سمراوين جميلتين وذكيتين ــ وهما تلعبان مع كلابهما في حديقة البيت الأبيض". اللعب على الوتر العرقي كان واضحاً، وملموساً ليس فقط في كلمات ميشيل، بل في برنامج المؤتمر الطويل، فقد خُصصت الساعات الأولى منه للقاءات المنفصلة للمندوبين الذين ينتمون إلى مجموعات إتنية وعرقية مختلفة، من أجل تحديد مصالحهم المشتركة وأهدافهم من المؤتمر ككل. "تكتل السود"، "تكتل اللاتين"، "المجلس الإتني"، "مجلس الأميركيين الأصليين"... كل تلك الكتل وغيرها، التقت على مدى ساعات، وراحت تخبر الحاضرين عن أهمية هيلاري كلينتون لمجتمعاتها.
وعلى الرغم من أن الحزب الديموقراطي طالما كان تشكيلة من مجموعات مصالح أو كتل ناخبة عرقية وإتنية ــ على حد تعبير جويل بولاك في موقع "بريتبارت" المحافظ ــ إلا أن هذا الأخير لفت إلى أنه بوجود هيلاري كلينتون كمرشحة للحزب، فإن الكفاح لتوحيد الحزب في ضوء فضيحة الرسائل الإلكترونية الأخيرة، يبقى من خلال هزيمة الحزب الجمهوري.
لم يتوانَ عن استثمار استقالة رئيسة الحزب ديبي ويسرمان شولتز

لذا، كان دونالد ترامب النجم الحاضر الغائب في هذا المؤتمر، مع تركيز كل الخطابات عليه ــ إن علناً أو ضمناً ــ كشرط إضافي لإعلاء شأن كلينتون. ومن هنا، استحضرت ميشيل أوباما وصف أميركا بأنها "أعظم بلد على الأرض"، لتعارض بعبارتها شعار ترامب "اجعلوا أميركا عظيمة مجدداً"، ولتدفع الحشد المتجمع للتصفيق والهتاف لها، خصوصاً أن جزءاً كبيراً من هذا الحشد كان يقابل ذكر اسم كلينتون، بصيحات الاستهجان لدرجة أن نجمها طغى على نجم ترامب في هذا المجال. جوقة الاستهجان التي قادها مناصرو برني ساندرز الغاضبين من "الظلم" الذي تعرّض له مرشحهم من اللجنة الإدارية في الحزب الديموقراطي، كانت تصدح في كل مرة يطالب فيها الخطباء بدعم كلينتون، وتشوّش على من كان يروّج لشعار المؤتمر الحالي: "معاً موحدين". والأصوات التي ردت على المطالبات بانتخاب كلينتون بعبارة "أقفلوا عليها/اسجنوها" (lock her up)، كانت تردد صراخ الجمهوريين، خلال مؤتمر حزبهم الأسبوع الماضي، في إطار هجائهم لهيلاري كلينتون.
وعلى هامش مؤتمر الحزب الديموقراطي، كان ترامب أيضاً يستغل الانقسام الحاصل فيه، ولم يتوانَ عن استثمار استقالة رئيسة الحزب ديبي ويسرمان شولتز، متسائلاً في الوقت ذاته "عن عدم الوفاء لدى هيلاري كلينتون، التي كانت شولتز دائماً إلى جانبها"، ليضيف بناءً عليه أن كلينتون تخلّت عن هذه الأخيرة و"دفعتها أمام الحافلة من دون أن تسأل عنها".
ترامب استغل أيضاً تسريب الرسائل الإلكترونية لمصلحته على نطاق آخر، فاعتبر أنها تشير إلى أن "النظام مشوّه ضد برني ساندرز"، وأنها ستكون سبباً ليقوم أتباع هذا الأخير ــ الذين كانوا يتظاهرون في فيلادلفيا ــ بدعم ورقة الجمهوريين.
وقد وصل به الأمر، إلى حد انتقاد كلينتون لاختيارها سيناتور فيرجينيا تيم كين نائباً لها، مشيراً إلى أنه كان فاسداً، ومعتبراً أنه لن يكون خياراً ذكياً من أجل إسكات مناصري ساندرز، وهو ما تردد على لسان عدد كبير من هؤلاء المناصرين الذين كانوا يتظاهرون ضد كلينتون خارج مكان انعقاد المؤتمر.
ومع بداية مؤتمر الحزب الديموقراطي، كان ترامب يسجّل نقاطاً أخرى لمصلحته في وجه كلينتون، ولكن هذه المرة عبر أرقام استطلاعات الرأي، التي أظهرت تفوّقه، بفارق بسيط، على منافسته، بعد تنصيبه رسمياً خلال مؤتمر الحزب الجمهوري، الأسبوع الماضي. وهذا الأمر يعد بارزاً، بعد أحداث وخلافات تخلّلت مؤتمره، فضلاً عن أنّ الغالبية العظمى من الاستطلاعات كانت تضع كلينتون في الصدارة حتى وقت قريب.
وقد حصل ترامب على 48 في المئة من نيات تصويت الناخبين المسجلين في القوائم الانتخابية مقابل 45 في المئة لكلينتون، وفقاً لاستطلاع أجرته شبكة "سي إن إن". ولدى تضمين الاستطلاع مرشحين آخرين، نال ترامب 44 في المئة مقابل 39 في المئة لكلينتون، يليها المرشح غاري جونسون (9 في المئة) ومرشح "الخضر" جيل شتاين (3 في المئة). أيضاً، أظهر استطلاع نشرت نتائجه شبكة "سي بي أس" تعادل كلينتون وترامب بنسبة 42 في المئة من نيات التصويت. وإن كانت خلاصة هذين الاستطلاعين تشير إلى أمر، فهو أن الكثير من الجمهوريين يعتبرون، الآن، أن حزبهم متحد، بعدما كانت نسبتهم قبل أسبوع 16 في المئة فقط (وفق مراقبين)، وذلك في وقت يشهد فيه الحزب الديموقراطي انقساماته.





موسكو تنفي أيّ قرصنة معلوماتية للحزب الديموقراطي

نفى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، أمس، الاتهامات بقيام موسكو بقرصنة بريد مسؤولين في الحزب الديموقراطي الأميركي، للتأثير على حملة الانتخابات وترجيح كفة المرشح الجمهوري دونالد ترامب. وقال بالإنكليزية، وهو يصافح نظيره الأميركي جون كيري، "لا أريد استخدام كلمات من أربعة حروف"، أي شتائم، الأمر الذي لم يردّ عليه كيري.
وكان الأميركيون يروّجون أن موسكو سعت إلى التأثير على الحملة الانتخابية الأميركية لمصلحة ترامب، بتسريب رسائل إلكترونية مربكة للمرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون. لكن الخبراء يقولون إن إثبات التورّط الروسي سيكون صعباً.
وقبل ثلاثة أيام من بدء مؤتمر الحزب الديموقراطي، نشر موقع "ويكيليكس" حوالى عشرين ألف رسالة إلكترونية تمّ الحصول عليها باختراق حسابات سبعة مسؤولين في الحزب الديموقراطي، وتم تبادلها بين كانون الثاني 2015 وأيار 2016. وتكشف هذه الرسائل حذر هؤلاء المسؤولين من الخصم السابق لكلينتون في الانتخابات التمهيدية، بيرني ساندرز، واستخفافهم به.
(أ ف ب)