بعد ثلاثة أسابيع على فشل الانقلاب، أكمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان رسم مشهد «السلطان الديموقراطي». خلال الحشد «المليوني» الذي أقيم أمس في ميدان «يني كابي» في اسطنبول، لم يترك أردوغان أي وسيلة لاختزال كافة رموز الدولة التركية والأمة الإسلامية ضمن يوم «انتصاره» التاريخي. حضرت «راية التوحيد» و«علم السلطنة العثمانية» إلى جانب العلم التركي، وحضرت صوره إلى جانب مؤسّس الجمهورية مصطفى كمال أتاتورك، في حين استحضر رئيس مجلس الأمة التركي، اسماعيل قهرمان، صلاح الدين الأيوبي والسلطان محمد الفاتح، وسأل رئيس الشؤون الدينية محمد غورماز، الله، أن «يضع الشهداء الذين قضوا نتيجة الانقلاب إلى جانب شهداء (غزوتي) بدر وأحد».الحشد الذي زاد عدد المشاركين فيه على مليون ــ وفق تقديرات إعلامية ــ التزم رفع الأعلام التركية، بعدما بقيت التنبيهات على مكبرات الصوت طيلة الفترة التي سبقت انطلاق الفعالية بضرورة «عدم رفع أي علم حزبي»، بينما ظهرت أعلام عدد من الدول، منها آذربيجان وأفغانستان وألبانيا ومصر والجزائر والسعودية، مع حضور لعلم «الجيش السوري الحر».
بن علي يلدريم:
ستتم إعادة غولن ومحاسبته

أردوغان بدأ خطابه بشكر الناس التي «وقفت في وجه دبابات وطائرات الانقلابيين»، معرباً عن تعاطفه مع أهالي الـ240 شخصاً الذين قضوا جراء الانقلاب، مشبّهاً «حالة الإيمان التي تجلّت في كل المدن التركية، في 15 تموز، بإلإيمان عند حرب الاستقلال التي بدأها مصطفى كمال».
وفي «استجابة» للجموع التي هتفت خلال خطابه مطالبة بإعادة عقوبة الإعدام، ردّ بأنه «سيوافق على ذلك في حال أقرّها مجلس الأمة»، مضيفاً: «إذا قبل الشعب بتلك العقوبة، فستقبل الأحزاب السياسية بذلك أيضاً».
وقال إن «منطقتنا كانت ستُقدّم على طبق من ذهب لأطراف يعرفها الجميع لو نجح الانقلاب... نعلم جيداً تلك القوى التي تقف وراء منظمة (الداعية فتح الله) غولن الإرهابية وتدعمها، وسنحاسبها عندما يحين الوقت المناسب». ولم يفت أردوغان انتقاد ألمانيا والغرب، مذكّراً بمنعه من إلقاء خطاب عبر الفيديو لمتظاهرين أتراك في مدينة كولونيا، بينما «سُمح للذين في جبال قنديل (حزب العمال الكردستاني) بإجراء اتصال مماثل».
من جهته، وعد رئيس الوزراء بن علي يلدريم الجماهير المحتشدة بإعادة غولن إلى تركيا لـ«يدفع ثمن ما اقترفه»، إضافة إلى «توسيع الحريات وتقليل الأعداء وزيادة الأصدقاء». أما رئيس البرلمان إسماعيل قهرمان فقد رأى أن المحتشدين «أحفاد صلاح الدين وأحفاد السلطان محمد الفاتح، وورثة دولة عظيمة حكمت العالم»، مؤكداً أنه «تم طيّ صفحة الانقلابات وفتح صفحة العيش كأمة واحدة».
كذلك، شدد رئيس هيئة الأركان خلوصي آكار على أن «مجموعة من عصابة غير قانونية متغلغلة في القوات المسلحة لطّخت تاريخ جيشنا المجيد وجعلت وطننا يشهد هذا العار»، مؤكداً أن «الخونة سيُعاقبون أشد العقوبات».
أما رئيس «حزب الشعب الجمهوري» كمال كيليشدار أوغلو، الذي استنكر الحشد بشدة عندما ذُكر اسمه ضمن قائمة الحضور، ليعود ويصفّق له بناءً على طلب منسّق الاحتفالية، فقد أشاد بالشعب الذي «استخدم قوته في مقاومة المحاولة الانقلابية»، وبـ«الشهداء الذين كُتبت أسماؤهم في تاريخ ديموقراطية تركيا الذهبي». وأكد أن تركيا تعيش «عهداً جديداً... وإذا تمكّنا من حماية ثقافة التفاهم والتصالح التي نشهدها اليوم، نكون قد أنشأنا بلداً جميلاً لأبنائنا».
وطالب بـ«إبعاد السياسة عن المساجد والثكنات العسكرية والقضاء»، وبـ«تطبيق نظام تعليمي قائم على التفكير والمساءلة من أجل تعزيز ديمقراطية تركيا».
ورأى رئيس «حزب الحركة القومية» دولت بهتشلي أن غولن «باع روحه لإبليس، وبلغت خيانته وعداوته لتركيا والأتراك أوجها»، مشيراً إلى أن «منظمة غولن التي تحمل الأطماع الصليبية، قررت استهداف قلب تركيا».
الحشد أقيم تحت حراسة شديدة تولتها من البحر أربع سفن عسكرية، برفقة عدد كبير من الطائرات المروحية في سماء اسطنبول، فيما توزعت على مداخل التجمع 22 آلة أشعة ماسحة، و165 مدخلاً مزوّداً بكاشف للمعادن، إضافة إلى حوالى 13000 مدني وظّفوا خصيصاً لمتابعة تنظيم وأمن الحشد، من دون عناصر الشرطة والمخابرات.