لا يخفى أن الصين تطرح نفسها على أنها ستقوم بالدور الريادي على صعيد الاقتصاد العالمي، وكان ذلك واضحاً في كلمة الرئيس الصيني، شي جين بينغ، خلال قمة مجموعة العشرين للأعمال، أول من أمس، حينما أكّد أن أحد أهداف بلاده هو تمكين «العشرين» من «التحول من مجرد آلية مستجيبة للأزمات تركز على السياسات القصيرة الأمد إلى آلية حوكمة طويلة الأمد تقوم بتشكيل سياسات متوسطة وطويلة الأمد».وقال شي إن «الصين تسعى إلى تمكين المجموعة من تدعيم دورها كمنبر رئيسي للحوكمة الاقتصادية العالمية»، مشددا على «أننا نحتاج إلى ابتكار سياسات اقتصاد كلي ونضم السياسات المالية والنقدية بشكل فعال مع سياسات الإصلاح الهيكلي». ورأى أن الخطة التي قدمها «نقطة بداية جديدة لتنمية الصين وخطة جديدة للنمو العالمي»، باعتبار أنها تعتمد على بناء اقتصاد عالمي «مبتكر ومنفتح لخلق محركات جديدة للنمو وتوسيع نطاق التنمية».
وأضاف الرئيس الصيني أنه برغم التباطؤ في الاقتصادي الصيني، فإن بكين لديها ثقة وقدرة على تحقيق معدل نمو من متوسط إلى مرتفع، وخاصة أنها «تستمر في تعميق الإصلاح والسعي لاستراتيجية تنمية يقودها الابتكار والانفتاح أكثر على العالم الخارجي».
واقعا، برغم التباطؤ الذي شهده الاقتصاد الصيني، فإنه يبقى، وفق التوقعات، أكبر مساهم في النمو على المستوى العالمي لهذا العام، وذلك في إطار اقتصاد عالمي ضعيف قد لا يحتمل أزمات جديدة دون الوقوع في ركود. ومن المتوقع، أيضاً، أن تساهم الصين بـ1.2% من أصل 3.1% من النمو العالمي المتوقع، أي حوالى 39%، اذا حققت نموا بحوالى 6.7% كما تتوقع الحكومة الصينية، وذلك مقابل 0.6% هي مساهمة الهند، و0.3% للولايات المتحدة، و0.1% لأوروبا بأكملها.
تمكّنت بكّين من تجنّب آثار أزمة 2008 على عكس أوروبا وأميركا

من هذا المنطلق، يصير الاقتصاد الصيني محورياً في الحديث حول مستقبل الاقتصاد العالمي، علماً بأنه لا يجوز الخلط بين حجم الاقتصاد ودوره؛ ففيما يتحلّى الاقتصاد الصيني بالحجم الهائل، فإن الدور لم يتبلور بعد.
من هنا يطرح التساؤل عن طبيعة الدور الذي تسعى الصين إلى أدائه، في إطار مجموعة العشرين، أو في تشكيل اقتصاد عالمي جديد؛ إذا نظرنا إلى كلام الرئيس الصيني في إطار وصفه الهيكلية الجديدة التي يتصورها، يتبين أنه يشدد على محورية «انفتاح العالم اقتصادياً على بعضه (بعضا)»، مفضلاً هذا المصطلح المرتبط بمعانٍ اقتصادية محدّدة تعني تحرير الأسواق المحلية ودمجها بسوق عالمي، على مصطلح التعاون الذي يشير إلى خلق توازن بين التنمية المحلية والعالمية، ومعتبراً في الوقت نفسه أن ذلك يأتي في سياق «الإصلاحات» التي تقدم عليها بلاده «منذ 38 عاماً».
كذلك شدد على أن «الاقتصاد العالمي يجب أن يصبح مترابطاً وشاملاً من أجل تقوية أساس النتائج المتبادلة النفع»، قائلا في سياق متصل، إن الصين «قد أصبحت بعد 38 عاماً من الإصلاح والانفتاح عند نقطة بداية جديدة لتعميق الإصلاح في البلاد، وخلق محركات جديدة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتكييف اقتصادها لمعيار جديد». ويترجَم هذا المعيار الجديد في «تحويل نموذج نموها ودمج نفسها في العالم»، أي «الانفتاح أكثر على العالم».
تأسيسا على ذلك، أوضح شي أن «النمو السريع الذي حققته الصين خلال العقود القليلة الماضية رفع الصين إلى مرتبة الاقتصاد الثاني كبراً في العالم، ما أدى الى الكثير من المنافع للبلاد الأخرى على مستوى العالم».
وفعلاً تمكّنت الصين، بعد 2008، من تجنّب آثار الأزمة، عبر الانتقال من اقتصاد يدفعه التصدير ويقوده الاستثمار إلى نوع يعتمد أساسا على الاستهلاك المحلي، ما كان من شأنه تحسين مستوى فئات كبيرة من سكانها لتخلق مجتمعاً استهلاكياً بات يمثّل مصدر أكثر من 60% من إجمالي الناتج المحلي. برغم ذلك، كان لتلك الخطوات آثار سلبية على اقتصادات عدة (في أميركا اللاتينية على سبيل المثال) كانت تعتمد على قدرة الصين على امتصاص صادراتها.
لذلك، رأى الرئيس الصيني أن نموذج التصدير والاستثمار انتهت صلاحيته، معتبراً أنه لم يعد فعّالاً، فيما «الصين لديها الثقة والقدرة فى الحفاظ على معدل نمو من متوسط إلى مرتفع، في الوقت الذي تستمر فيه البلاد في تعميق الإصلاح».
ويكمل شي شارحاً أن إستراتيجية الصين للتنمية تقوم «على الابتكار وتعمل على دفع التنمية الخضراء وتعزيز المساواة ومشاركة نتائج التنمية»، ما قد يضعها في تعارض مع الهدف الثاني الذي ذكره، وهو العمل «على الانفتاح أكثر على العالم الخارجي».
في السياق، يؤكد رئيس «المعهد الصيني للدراسات الدولية»، سو قه، أنه «في ظل وجود بداية جديدة، فإن نموذج التنمية في الصين من الممكن أن يحدد مسار التنمية في العالم بأسره وكذلك الأجندة الخاصة بمجموعة العشرين». ولعلّ ذلك صحيح بحكم حجم الاقتصاد الصيني اليوم وقدرته المحتملة في الضغط على اقتصادات الدول الأعضاء، ولكن الوجهة التي تتخذها الصين، على الرغم من عدم اتضاحها تماماً، تبدو كأن هدفها الاندراج في المنظومة العالمية، أكثر مما تبدو ريادية تغييرية.
من هذا المنطلق، قد يُقرأ تشديد الرئيس الصيني على أنه قد «وُضع هدف الصين في الإصلاح»، وأنها «لن تنحرف عنه»؛ كأنه ضمانة للعالم الذين يريدون الانفتاح عليه بأنهم ينجزون الإصلاحات» المطلوبة للاندراج في عالمهم.