تكتسب زيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى الصين خصوصاً، وآسيا عموماً، تركيزاً كبيراً من وسائل الإعلام الأميركية لما تحمله من أثر على "إرثه" الذي عمل على تركه، منذ تسلّمه ولايته الأولى في عام 2008، خصوصاً أن أوباما طالما سعى إلى الترويج لفكرة "التوجه نحو آسيا"، بعيداً عن "مستنقعات الشرق الأوسط".لذا، بالتزامن مع الزيارة، استرجع العديد من المراقبين مصطلح "التوجه نحو آسيا"، لتقدير ما جرى تحقيقه في هذا المجال. وفيما وصل البعض إلى خلاصة أن أوباما لم يحقّق شيئاً يذكر، توصّل آخرون إلى أن ما بناه، ربطاً بالعلاقات المستجدة مع فيتنام والهند مثلاً، يعدّ دليلاً على تطوّر مهم.
وعلى الرغم من أن نائب مستشار الأمن القومي الأميركي بن رودس سعى، قبل الزيارة، إلى إشاعة جو إيجابي، قائلاً "نرى أن هذه الرحلة تجمع عدداً من أولويات الرئيس"، لكن ذلك لم يلغ حقيقة أن الجولة ستُستغل لإلقاء الضوء على عدد من التحديات المتعاظمة، بما فيها الصين وكوريا الشمالية والعلاقة المتوترة دائماً بين اليابان وكوريا الجنوبية وغيرها من المسائل التي تقف عائقاً أمام تعاظم القوة الأميركية آسيوياً.
تعدّ الصين عنصراً أساسياً في تعديل السياسية الأميركية الآسيوية

فضلاً عن ذلك، تأتي الزيارة في وقت يواجه فيه اتفاق الشراكة الاقتصادية الاستراتيجية عبر المحيط الهادئ عوائق ومصاعب كثيرة، على الرغم من أنه يعدّ أحد أبرز دعائم سياسة أوباما الآسيوية، على اعتبار أنه سيخفّف من سطوة الصين في وضع قواعد التجارة الإقليمية. وفي هذا المجال، تجدر الإشارة إلى أن هذا الاتفاق يواجه عوائق داخلية أكبر من تلك الخارجية، من خلال اعتراض المرشح الجمهوري دونالد ترامب عليه وأيضاً المرشحة الديموقراطية هيلاري كلينتون التي كانت قد دعمته خلال توليها منصب وزيرة الخارجية، ثم تراجعت عن هذا الدعم. أضف إلى ذلك، يعارض الكونغرس الاتفاقية، بشكلها الحالي؛ وفي آخر تعقيب على هذا الموضوع، قال زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، السيناتور الجمهوري ميتش ماكونيل، الأسبوع الماضي: "لا يمكن أن تمر، ويجب إعادة التفاوض بشأنها عند تسلّم الرئيس المقبل السلطة".
وفيما تبرز الصين كندٍّ حقيقي في معظم الاتفاقيات التي تجريها واشنطن في آسيا، هي أيضاً تعدّ أساسية في تحفيز تعديل السياسة الأميركية هناك، وفي تعزيز تحالفاتها السياسية والعسكرية والتجارية. من هنا، لا يزال التوجه الأميركي إلى آسيا يصطدم بـ"انعدام الأمن المتزايد في ما يتعلق ببحر الصين الجنوبي، والنزاع المرتبط به، وسطوة الصين على بعض الدول التي تقع عليه، ومنها الفيليبين.
من جهة أخرى، يمكن الالتفات إلى أستراليا التي تعمل مع الولايات المتحدة على تنمية التعاون العسكري، ولكنها في الوقت ذاته تبقى ملتزمة، بشكل قوي، بعلاقتها الاقتصادية مع الصين. وفي حين انخفض الطلب الصيني على الحديد الخام الأسترالي، وغيره من السلع، تبقى الشركات الصينية من أبرز المستثمرين في الاقتصاد الأسترالي، ويُنفق الأثرياء الصينيون الكثير من الأموال على الدراسات العليا فيها، وعلى عطلهم الصيفية وشراء العقارات.
والعنصر الآخر الذي لا يزال يقف عائقاً أمام تحقيق الولايات المتحدة رغبتها في التموضع كقوة أساسية في آسيا، هو العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان، اللتين تعدان حليفتين أساسيتين لواشنطن في القارة. فقد شهدت هذه العلاقة انتكاسات على مدى العقود الماضية، كذلك فإنها لا تزال تتميّز بالسوء، وهو أمر طالما أحبط مساعي إدارة أوباما وخططها لإبطاء صعود الصين، ومواجهة "تهديدات" كوريا الشمالية.
أما من النقاط الإيجابية التي التفت إليها عدد من المحللين في إطار تعدادهم لسياسة أوباما الآسيوية، فهي زيارته إلى فيتنام خلال العام الحالي، والتي فتحت المجال أما تطوير العلاقة مع هذا البلد. فضلاً عن ذلك، هناك تطوير العلاقة الاقتصادية والسياسية مع الهند، إضافة إلى التعاون في المجال النووي والعسكري بين البلدين.
(الأخبار)