بدأ، أول من أمس، نقاش بشأن إعادة تحديد ميزانية الدفاع الفرنسية، وذلك خلال الجامعة الصيفية للدفاع المنعقدة في باريس، وهو لقاء تقليدي للقطاع، شارك فيه رئيس الحكومة مانويل فالس، وأجمع معظم من حضروه على ضرورة «الرفع السريع والقوي لميزانية الجيش»، وفق ما نقلت صحيفة «لوموند» الفرنسية، أمس، لتصل تلك الميزانية إلى نسبة 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.ورأى رئيس الأركان، بيار دو فيليي، أن على ميزانية الدفاع أن تتخطى الـ32.7 مليار يورو المقررة لعام 2017، وأن تصل إلى 41 ملياراً في عام 2020، وإذا ما احتسبت معها الرواتب، فقد تصبح الأرقام من 40 ملياراً في عام 2017 إلى 44 مليار يورو حتى عام 2020، أي ما يعادل 1.78 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أو 2 في المئة إذا ما احتسبت الرواتب، قياساً بناتج عام 2015. وأوضح دو فيليي للحاضرين قائلاً: «أبيعكم جيشاً بـ2 في المئة، جيشاً جيداً ويحمي الفرنسيين، هذا ثمن السلام وجهد الحرب، وليس ثمن الحرب».
وبدأ الإعداد لرفع الإنفاق الدفاعي في فرنسا منذ عام 2015، أي بعد الاعتداءات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد، فيما كان قد خفض بين عامي 2009 و2012 إلى حوالى 30 مليار يورو. وكان من المقرر أن يبقى هذا الإنفاق ثابتاً على قيمة تقارب 31 مليار يورو حتى عام 2019. لكن منذ بدء فرنسا عمليات داخلية وخارجية بعد الاعتداءات الإرهابية، تقررت إضافة 3.8 مليارات يورو إلى الميزانية الدفاعية، لتقسم على أربعة أعوام حتى عام 2019، أي بعد نهاية عهد هولاند. ومن المفترض زيادة 418 مليون يورو إليها في عام 2017، لتصل الميزانية إلى حوالى 35 مليار يورو. وقد تطرح هذه الإضافات إشكالية زيادة موارد الدولة بالنسبة إلى وزارة المالية.
من جهته، أثنى فالس على خطة دو فيليي، قائلاً: «لا نملك الخيار في ما يتعلق بالأمن والدفاع... يجب أن نستثمر (في هذا القطاع) كثيراً... هدف الـ2 في المئة ممكن، أو ربما أكثر أو أقل». ولقي كلام فالس ترحيباً من قبل المجتمعين، وتابع مناقشاً التحديات الأمنية الحالية، ورأى أن هذه التحديات تفرض على الحكومة أولويتين قبل نهاية مدة الحكم، وهما: أولاً حماية الفرنسيين، وثانياً وحدتهم في وجه «التهديد الشعبوي».
أما وزير الدفاع جان إيف لودريان، فقد وعد بأنه سيعمل على تحريك الفرص إلى جانب نظرائه الأوروبيين حول الدفاع، لكن فالس يصرّ على خيارات أكثر واقعية، إذ قال إن «الكثير يقع علينا أولاً، علينا الاستمرار في العمل على وسائل جديدة للعقد المقبل، مستوى الإشراك المالي والبشري لوزارتي الداخلية والدفاع يجب أن يرتفع».
من جهته، أشار لودريان إلى أن الـ2 في المئة ستضمن «الدينامية الاستراتيجية» لفرنسا، إضافة إلى إعلانه مشاركة فرنسا في عملية تحرير مدينة الموصل العراقية من تنظيم «داعش» بنشرها لمدفعية من نوع «سيزار» واستعدادها لوضع حاملة الطائرات «شارل ديغول» قيد العمل، وهي إجراءات كان قد أعلن عنها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، في تموز الماضي.
وأعلن رئيس لجنة الدفاع في مجلس الشيوخ، الجمهوري بيار رافاران، استعداد المجلس دعم خطة الـ2 في المئة، لأنها «أرضية سيادتنا» على حدّ تعبيره.
في المحصلة، فإن أسباباً ثلاثة أثيرت، في الجامعة الصيفية، ويبدو أنها المحرك الأساسي لتحقيق عتبة 2 في المئة في ميزانية الدفاع، أبرزها ضرورة تحديث الردع وملء الثغر في نقص المعدات، وضبط العقود الثابتة للجيش والعمليات العسكرية القائمة، في العراق، وفي الأراضي الوطنية، وفق ما شرحت «لوموند». كذلك، فإن فرنسا كانت قد أيّدت سابقاً اعتماد خطة الـ«2 في المئة» المحددة من قبل زملائها في «حلف شمال الأطلسي» عام 2014. إضافة إلى ذلك، ستشمل الميزانية مضاعفة للردع النووي وتحديثه.
لكن الصحيفة تلحظ أنه مع تخصيص معظم الميزانية للردع، فإن ذلك من شأنه أن يؤدي إلى طرد عدد هائل من القوات التقليدية في الجيش. وتضيف أنه حالياً هناك نقص في المعدات، مثل الطائرات المروحية وطائرات النقل الاستراتيجية، ووسائل المراقبة والتعرّف، وهو أمر أنتج ثغرات في القدرات، كما يشرح دو فيليي للصحيفة، ولا يمكن الانتظار إلى ما بعد عام 2020 لملئها، «لأننا سنكون قد خسرنا الحرب». هذه الثغر تطرح إشكالية كيفية إدارة هذه الميزانية، خصوصاً أن العمليات الداخلية والخارجية في النهاية ستحتاج إلى عدد جنود أكبر مما هو منصوص عليه في العقود القائمة من قبل السلطة التنفيذية، لتصل في النهاية إلى 30 ألف عسكري، عدا عن التكلفة الزائدة للعمليات الخارجية. من هنا اقترح البعض تخفيض عدد الجنود العاملين داخل الأراضي الفرنسية، لكن فالس رأى أنه «لا يمكن أن نقول إن الخطر غير مسبوق، وإن هناك ترابطاً بين الأمن الخارجي والأمن الداخلي، وإنه لا ينبغي أن نستخدم جيشنا بشكل كامل حتى داخل أراضينا».
في النتيجة، فإن النقاش حول الدفاع قد أطلق في فرنسا ليصعب معه معرفة الكيفية التي ستُرفع هذه الميزانية من خلالها، خصوصاً مع اقتراب معركة الانتخابات الرئاسية، ما يوحي بأن موضوع نفقات الدفاع سيكون قضية تجييش انتخابية، من اليمين واليسار.
(الأخبار)