لا شك أن «حزب العمال الاشتراكي» الإسباني يعاني أسوأ أزماته في الآونة الأخيرة، تفجرت باستقالة 17 عضوا في لجنته التنفيذية، مساء أول من أمس، بهدف الضغط على رئيس الحزب بيدرو سانشيز، ودفعه للاستقالة. وعلى الرغم من ذلك، فإن سانشيز أكد أمس، أنه لا يزال قادراً على أن يدير حزبه، برغم خيبة الأمل الموجودة داخله بعد سلسلة إخفاقات مر بها خلال الأشهر التسعة الماضية.
وبدأ اليوم الدراماتيكي للاشتراكيين، صباح أول من أمس، عند إعلان رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق فيليب غونزالس، في مقابلة إذاعية عن «خيبة أمله» من أداء سانشيز، الذي رأى أنه يفسح الطريق لتشكيل حكومة يقودها «الحزب الشعبي» بقيادة ماريانو راخوي. وتلت ذلك الاستقالة الجماعية التي يرى محيط سانشيز أنها بمثابة «انقلاب» عليه.
الرابح الأكبر من خلافات الاشتراكي الداخلية هو ماريانو راخوي

في المقابل، يصر سانشيز على أنه لا يزال الرئيس الشرعي لـ«الاشتراكي»، ويخطط في الوقت عينه لعقد اجتماع لأعضاء اللجنة التنفيذية المؤيدين له للتحضير لاجتماع للجنة الفدرالية، غداً. وقد أعلن سانشيز بداية الأسبوع الحالي، نيته عقد جلسة كبيرة للحزب تشمل كافة أعضائه لإعادة التصويت على قيادته. ويرى معارضو سانشيز أن دعوته تلك ما هي إلا استغلال لقواعد الحزب ومحاولة منه «للاحتفاظ بوظيفته».
أما الأسباب التي أدت لحصول هذه الأزمة فهي عديدة، لكن أبرزها يعود إلى الجمود السياسي العام الحاصل في البلاد، وإخفاق سانشيز بتشكيل ائتلاف حكومي بعد الانتخابات النيابية الأولى في كانون الأول ما دفع لطرح تساؤلات عديدة حول الخيارات المقبلة للاشتراكيين، تفجرت أخيرا بالتراجع الكبير الذي أصاب الحزب في الانتخابات المحلية في غاليسيا والباسك. في المقابل، يمكن النظر إليها ببعد آخر وهو أن الاشتراكي تحول إلى «آلة إخفاقات» منذ نهاية فترة حكم الرئيس الاشتراكي خوسيه لويس رودريغيز زاباتيرو (2004-2011)، ووقع بأزمة الاشتراكية الديموقراطية في أوروبا ككل، وما أزمة «الحزب الاشتراكي» الفرنسي إلا خير مثال على ذلك.
وإن ظهرت أزمة «حزب العمال الاشتراكي» حديثاً، لكن صحيفة «لوموند» الفرنسية تذكر، في تقرير أمس، أن «سلطة» بيدرو سانشيز تخضع لامتحان منذ عدة أشهر على يد «بارونات» المناطق، الذين انقطع الحوار بينهم وبين القيادة المركزية للحزب. هؤلاء لا يتفقون على الاستراتيجية التي يجب أن يتبعها الاشتراكي. وعلى سبيل المثال، فإن رئيس الاشتراكي في فالنسيا، سيمو بويغ، يتهم سانشيز بمنعه التوصل إلى اتفاق مع «بوديموس»، فيما يتهم الرئيس في منطقة إكستريمادورا، غيليرمو فيرنانديز فارا، القيادة الاشتراكية بعرقلة اقتراحه بضرورة أن يسمح «الحزب الاشتراكي» لـ«الحزب الشعبي» بأن يحكم.
وفي إسبانيا، فإن الاشتراكية الديموقراطية تقابل بما تراه «خطر» صعود «اليسار البديل» المتمثل بالحزب المناهض للتقشف «بوديموس»، الذي تمكن من توسيع قاعدته الشعبية على حساب قاعدة الاشتراكيين. ولعل «بوديموس» من أكثر المستفيدين من هذا التراجع والتشتت داخل «الاشتراكي»، وخصوصا أن قائده، بابلو إيغليسياس، لم يخف يوما رغبته بأن يتحول حزبه إلى الحزب القائد لليسار في البلاد بدلا من «الاشتراكي». الحزب الحديث العهد يعاني أزمة داخلية أيضا بين تيارين مختلفين داخله يراوحان بين يساري راديكالي ويسار وسطي. أما الرابح الآخر من صعود الخلافات الاشتراكية إلى العلن، فهو ماريانو راخوي، الذي، وبرغم فضائح الفساد التي تطاول حزبه وحكومته، لا يزال يحافظ على أكثر نسبة أصوات، ما يفتح الباب واسعا أمام احتمال تمكنه أخيرا من تشكيل حكومة بعد تسعة أشهر من الفراغ.
(الأخبار)