تبادل المرشحان في الانتخابات الرئاسية الأميركية هيلاري كلينتون ودونالد ترامب، اتهامات وانتقادات لاذعة، خلال ثاني مناظرة تُجرى بينهما. تبارى كل منهما في طرح ما لديه من أفكار، بغضّ النظر عمّا إذا كانت قابلة للتحقيق أو لا. ووصل حد الاختلاف والمناكفة بينهما إلى التنافس بين من يريد أن "يجعل أميركا عظيمة مجدداً"، بحسب منظور ترامب، ومن ترى أن "أميركا عظيمة فعلاً" وفق رأي كلينتون. تناظر المرشحان على مدى 90 دقيقة لم تحمل ما هو مختلف عن مواقفهما السابقة، سوى التطرّق إلى المزيد من المسائل الشخصية ــ على خلفية تسريب تسجيل يُظهر ترامب وهو يطلق ألفاظاً بذيئة على النساء ــ بينما احتلت الحرب السورية، وخصوصاً مدينة حلب، الحيّز المخصص للسياسة الخارجية.
وفي هذا الشق، اختلف المرشحان على كيفية مواجهة تنظيم "داعش" وعلى ما إذا كان يجب التعاون مع النظام السوري أو لا. وبين هذا وتلك، تناسى المرشحان العدوان السعودي على اليمن، وما حمله اليومان الماضيان من مجزرة تعرّضت لها مدينة صنعاء وأودت بحياة المئات.
وبالعودة إلى المسائل الشخصية، فقد كان من المتوقع أن تطغى مسألة التسجيل المسرّب على الشق الداخلي من المناقشات بين المرشحين، خصوصاً أنه يعتبر سلاحاً فتاكاً بيد هيلاري كلينتون في وجه دونالد ترامب، في ظل ما لاقاه هذا الأخير من استهجان من قادة حزبه وغيرهم. ولكن ترامب حوّل السلاح ذاته إلى هيلاري، مستمداً إياه من زوجها الرئيس الأسبق بيل. وفيما أشار إلى أن الشريط المسرّب أحرجه، فقد أضاف أن الرئيس بيل كلينتون فعل ما هو أسوأ للنساء.
وقال إن "ما صدر عني كلام، ولكن ما صدر عنه أفعال". وكان ترامب قد ظهر قبل المناظرة مع نساء اتهمن بيل كلينتون بسوء السلوك الجنسي.
واتهم ترامب أيضاً خلال المناظرة هيلاري كلينتون بمواصلة مهاجمة النساء اللائي اتهمن زوجها بسوء السلوك الجنسي، خلال فترة رئاسته من عام 1991 حتى 2001. وردت هيلاري كلينتون بقولها إن تصريحات ترامب تثبت عدم صلاحيته لأن يكون رئيساً للولايات المتحدة. وقالت: "لقد قال إن شريط الفيديو لا يمثل من يكون هو، ولكني أعتقد أن من الواضح لأي شخص سمعه أنه يمثل بشكل دقيق من يكون هو".
وواصل ترامب أيضاً مهاجمة كلينتون بشأن خادم بريدها الإلكتروني، قائلاً: "يجب أن تخجلي من نفسك". عندها، ردت المرشحة الديموقراطية بالقول: "تعرفون أنه أمر جيد للغاية ألا يكون شخص بطباع دونالد ترامب مسؤولاً عن القانون في هذا البلد"، فوصل الأمر بالمرشح الجمهوري إلى الرد قائلاً: "لأنك (بذلك) ستكونين في السجن"، ليصبح بذلك أول مرشح رئاسي يهدد منافسه بوضعه في السجن تاريخ السياسة الأميركية.
وفي الشأن الداخلي أيضاً، اشتبك ترامب وكلينتون بشأن سلسلة من القضايا الرئيسية، من بينها الضرائب والرعاية الصحية.
أما في السياسة الخارجية، فقد شغلت سوريا الحيّز الأكبر من نقاشهما. فقد قالت كلينتون إن إرسال واشنطن قواتها البرية إلى سوريا سيشكل خطأً في منتهى الخطورة، محذرة من أن إرسال قوات أميركية إلى سوريا سيُعَدّ استيلاءً على الأراضي في سوريا كقوة احتلال وسيكون "استراتيجية غير عقلانية".
وأكدت كلينتون تعويلها على إرسال الخبراء والمستشارين العسكريين إلى سوريا، موضحة أن هذه الاستراتيجية قد أظهرت فعاليتها في العراق.
وفي معرض ردّها على سؤال عن السياسة التي تعتزم انتهاجها تجاه سوريا في حال وصولها إلى البيت الأبيض، وصفت كلينتون الأوضاع في سوريا بأنها كارثية، مشددة مجدداً على سعيها إلى إقامة مناطق حظر جوي آمنة في هذه البلاد، وذلك دون أن توضح الأساليب التي ستلجأ إليها لتطبيق هذا المشروع في ظل وجود سلاح الجو السوري والروسي هناك، علماً بأن موسكو أعلنت أن هذه المبادرة غير مقبولة بالنسبة إليها وتقوض الجهود المبذولة من أجل محاربة التنظيمات الإرهابية.
ورأت المرشحة الديموقراطية أن وجود القوات الروسية في سوريا لا يهدف إلى محاربة تنظيم "داعش"، بل إلى دعم الرئيس السوري بشار الأسد حصراً، موجهة إلى موسكو أصابع الاتهام بالتصعيد من حدة التوتر في هذه البلاد. ودعت كلينتون إلى إجراء تحقيق في "جرائم حرب" ترتكبها موسكو ودمشق في سوريا، متهمة سلاح الجو الروسي بـ "التدمير الممنهج لمدينة حلب بغية قتل آخر المعارضين الذين يواجهون نظام الأسد"، كما قالت.
وأكدت المرشحة الديموقراطية ضرورة أن تمتلك واشنطن أدوات ضغط على روسيا لإجبارها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بهدف إيجاد حل سياسي للأزمة السورية، قائلة: "كنت أواجه روسيا وبوتين، وسوف أواصل فعل ذلك كرئيسة للدولة".
فقد اعترف ترامب بأنه اختلف مع مايك بينس المرشح معه على منصب نائب الرئيس، والذي أعلن الأسبوع الماضي في مناظرته أمام تيم كاين المرشح مع كلينتون على منصب نائب الرئيس أنه يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستعدة لاستخدام القوة العسكرية في سوريا، إذا دعت الحاجة إلى ذلك. وقال ترامب: "لم أتحدث أنا وهو وأختلف معه في هذا الرأي".
بدوره، وجّه المرشح الجمهوري انتقادات شديدة إلى منافسته كلينتون، قائلاً إنها تتحدث عن "المعارضين" من دون معرفتهم. وقال ترامب: "هي (كلينتون) تشيد بالمعارضين، ولكنها لا تعرف من هم هؤلاء المعارضون.. ففي كل مرة ندعم فيها المعارضين، سواء أكان ذلك في العراق أم غيره، فإننا نسلح هؤلاء الناس، وفي نهاية المطاف يصبحون أسوأ الناس".
وتطرق ترامب في تصريحاته إلى الأوضاع في حلب، مشيراً إلى أن هذه المدينة باتت على وشك الانهيار، متفقاً مع منافسته الديموقراطية على ضرورة إقامة مناطق حظر جوي. وأكد ترامب ضرورة أن توحِّد واشنطن وموسكو جهودهما في مكافحة تنظيم "داعش"، معرباً عن أمله في إقامة علاقات طيبة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتحقيق هذا الهدف. وقال المرشح الجمهوري: "لا أتعاطف مع الرئيس (السوري بشار) الأسد، ولكنه يحارب تنظيم داعش، كما تحاربه روسيا وإيران".
ونفى ترامب صلته بموسكو، مضيفاً أن الاتهامات التي توجهها كلينتون إلى روسيا تهدف إلى إلقاء الظلال عليه بهدف الإضرار بشعبيته. وانتقد المرشح الجمهوري استراتيجية قيادة القوات المسلحة الأميركية، متسائلاً عن الفائدة التي تحققها واشنطن بالإعلان مسبقاً لخططها العسكرية.
من جانب آخر، تطرق المرشحان في أثناء المناظرة بينهما إلى مسألة محاربة تنظيم "داعش" في العراق، إذ أعربت كلينتون عن آملها أن يُطرَد مسلحو "داعش" من الأراضي العراقية "ما إن أصبح رئيسة للبلاد"، بحسب قولها. وأعلنت المرشحة الديموقراطية توافر فرصة جيدة لاستعادة مدينة الموصل العراقية من براثن متشددي تنظيم "داعش" قريباً، موضحة أنها ستنظر في إمكانية تسليح الفصائل الكردية التي سمّتها أقرب حليف لواشنطن في محاربة "داعش" في العراق وسوريا. وتعهّدت كلينتون بملاحقة واستهداف زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي، على غرار العمليات التي أجرتها واشنطن للقضاء على العديد من قياديي تنظيم "القاعدة".
بدوره، انتقد ترامب بشدة الاستراتيجية التي تتبعها واشنطن في مكافحة تنظيم "داعش"، وندد بإعلان القيادة العسكرية الأميركية مسبقاً نيةَ استعادة الموصل خلال الثلاثة أو الأربعة أسابيع المقبلة، معتبراً أن ذلك بمثابة بلاغ موجه إلى قياديي تنظيم "داعش" الموجودين حالياً داخل المدينة لكي يغادروها.
وتساءل ترامب بهذا الصدد: "فما مدى هذه الحماقة من جانب دولتنا؟".
إلى ذلك، أكد ترامب أن السياسة التي انتهجتها كلينتون تجاه ليبيا إبان توليها منصب وزيرة الخارجية، هي ما أدى إلى انهيار نظام معمر القذافي، وهذا ما سبّب لاحقاً ظهور الفوضى التي استغلها "داعش" للاستيلاء على كميات كبيرة من الموارد النفطية الموجودة داخل ليبيا. وقال ترامب إن كل شيء تقريباً اتخذته منافسته الديموقراطية في أثناء توليها منصب وزيرة الخارجية كان خطأً كارثياً. وشدّد ترامب على مسؤولية كلينتون عن مقتل سفير واشنطن، آنذاك، في ليبيا كريستوفر ستيفنز أثناء الاعتداء على القنصلية الأميركية في بنغازي يوم 11 أيلول 2012، موضحاً أن السفير "وجه 600 طلب استغاثة إلى واشنطن وحاول الاتصال هاتفياً بكلينتون، ولكنها لم تردّ".
(الأخبار)