أوقفت الشرطة الألمانية أمس، رئيس إقليم كاتالونيا المُقال كارليس بوتشيمون، عند الحدود مع الدنمارك. وكان بوتشيمون في طريق عودته من فنلندا متوجهاً إلى بلجيكا، قبل أن يمرّ عبر الحدود الألمانية ـــ الدنماركية، حيث تم اعتقاله بناءً على مذكرة اعتقال أوروبية صادرة بحقه من قِبَل إسبانيا. وبينما لم تذكر الشرطة الألمانية أين يحتجز الرئيس المُقال، قالت «وكالة الأنباء الألمانية» إنّه نُقل إلى سجن في بلدة نيومونستر الشمالية، فيما ذكرت مجلة «فوكاس» الألمانية أنّ «المخابرات الإسبانية (كانت قد) أبلغت الشرطة الألمانية أن بوتشيمون في طريقه من فنلندا إلى ألمانيا».
تتوعّد مدريد بمقاضاة 13 من المسؤولين الانفصاليين


المتحدثة باسم حزب بوتشيمون الانفصالي، آنا غرابالوزا، أكدت خبر اعتقاله، فيما أشار محاميه جومي ألونسو كويفيلاس، عبر موقع «تويتر»، إلى أنّه «كان متوجهاً إلى بلجيكا لوضع نفسه مثلما يفعل دائماً تحت إمرة المحاكم البلجيكية».
بدورها، نقلت وكالة «أسوشيتد برس» عن الحكومة الإسبانية أنها تلقت «تأكيداً رسمياً من السلطات الألمانية باعتقال بوتشيمون». وقال المدعي العام الإسباني إنه «على اتصال بنظرائه الألمانيين لتنفيذ طلبهم بتسليم بوتشيمون إلى إسبانيا».
خبر اعتقال بوتشيمون تلقاه الكاتالونيون بكثيرٍ من الغضب، إذ نزل آلاف المتظاهرين حاملين أعلام الإقليم إلى شوارع برشلونة. وتلبية لدعوة «لجان الدفاع عن الجمهورية»، تجمع المتظاهرون في جادة «رامبلاس» وسط العاصمة هاتفين «الحرية للسجناء السياسيين... بوتشيمون هو رئيسنا». واتجهوا بعدها إلى مقر بعثة المفوضية الأوروبية في برشلونة، ثم بعد ذلك إلى أمام مبنى القنصلية الألمانية، وقد عمدت الشرطة الإسبانية إلى استخدام العنف في تفريق المتظاهرين.
من جهة ثانية، قالت الشرطة البريطانية إنّ الوزيرة الكاتالونية السابقة، كلارا بونساتي، والتي أصدر قاضٍ إسباني مذكرة توقيف دولية بحقها الأسبوع الماضي، «لدورها في محاولة انفصال الإقليم»، «تتخذ ترتيبات» لتسليم نفسها للسلطات في اسكتلندا التي فرّت إليها.
وجاء اعتقال بوتشيمون بعد يومين من إصدار المحكمة الإسبانية العليا أمراً بالقبض على 13 انفصالياً كاتالونياً بتهمة «العصيان»، بينهم الرئيس المُقال والمرشح لخلافته جوردي تورول، بسبب دورهما في مساعي الانفصال، ويواجه الاثنان ــ في حال إدانتهما ــ حكماً بالسجن لمدة 25 عاماً. وتعليقاً على القرار، اعتبر الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، أن سجن زعماء كاتالونيين بسبب دورهم في الانفصال هو «عار»، مضيفاً أن هناك «سياسيين كاتالونيين معتقلون فقط بسبب أفكارهم، سواء كنتم تتفقون مع هذه الأفكار أو لا... من العار أن يوضعوا خلف القضبان».

رحلة «فرار»
عقب إعلانهم استقلال كاتالونيا في 27 تشرين الأول الماضي، فرّ بوتشيمون وأربعة من نوابه إلى بلجيكا، المنفى الذي اختاره، ما تسبب بإدخال الإقليم في أزمة. بعد ذلك فرضت السلطات في مدريد الحكم المباشر على الإقليم، وعلّقت الحكم الذاتي في المنطقة. ورغم أن الأحزاب الانفصالية فازت بالانتخابات الإقليمية في كاتالونيا التي دعت إليها مدريد في كانون الأول الماضي، إلّا أنها لم تتمكن من تشكيل حكومة لأن العديد من الشخصيات كانت في المنفى خارج البلاد، أو في السجن. وبعد إعلانه أنه يستطيع إدارة الإقليم من منفاه، تراجع بوتشيمون مطلع آذار الجاري عن محاولته، رغم أنه خاض انتخابات كانون الأول من الخارج.
وفي الوقت الذي كان يواجه فيه الاعتقال من قبل السلطات، وصل الرئيس السابق للإقليم الكاتالوني إلى فنلندا يوم الخميس الماضي، لحضور مؤتمر وعقد لقاءات مع مشرعين، لكنه غادرها «قبل تمكن الشرطة الفنلندية من توقيفه»، إذ أعلن النائب في البرلمان الفنلندي وحليف بوتشيمون، ميكو كارنا، أول من أمس، أن الأخير غادر فنلندا متجهاً إلى بلجيكا، حيث كان يعتزم التعاون مع السلطات في ما يتعلّق بمحاولات إسبانيا لتسلمه.



بين مدريد واستقلال كتالونيا تاريخٌ من «العلاقات المضطربة»

للصراع بين كتالونيا ومدريد قصة طويلة، فبعد عام ٍعلى تأسيس الجمهورية الإسبانية الثانية تم تثبيت وضع إقليم كتالونيا القانوني عام 1932 بمنحها استقلالاً مؤقتاً. لكن الدكتاتور الإسباني الجنرال فرانسيسكو فرانكو (1892- 1975)، الذي حكم إسبانيا بالنار والحديد حتى عام 1975، ألغى استقلال كتالونيا وقمع نظامه أي نوع من الأنشطة العامة المرتبطة بالقومية واللغة الكتالونيين، بعد أن خرج منتصراً من الحرب الأهلية التي مزقت البلاد.
بعد وفاة الجنرال فرانكو عام 1975، منح دستور إسبانيا الديمقراطي الجديد عام 1978 كتالونيا حكماً ذاتياً، مؤكداً على أن الأمة الإسبانية لا يمكن أن تتجزأ، غير أنها تعترف بحقوق الأقاليم بالإدارة الذاتية. مفاوضات طويلة قادت الحكومة الإسبانية إلى الموافقة على رغبة الكتالونيين بإعادة إصلاح وضع الحكم الذاتي لإقليمهم، إذ أقر البرلمان الإسباني عام 2006 ميثاق حكم ذاتي لكتالونيا يعزز سلطات الإقليم المالية والقضائية ويصفه بـ«الأمة». لكن عام 2010 قضت المحكمة الدستورية الإسبانية العليا بإلغاء أجزاء من الميثاق، معتبرة أن استخدام مصطلح «أمة» لوصف الإقليم لا ينطوي على أي «قيمة قانونية» ورافضة الاستخدام «التفضيلي» للغة الكتالونية في خدمات البلدية.
عام 2012، تظاهر نحو 1.5 مليون شخص في عاصمة الإقليم برشلونة، من أجل استقلال كتالونيا هاتفين «نحن أمة والقرار لنا»، وقادت تداعياتها إلى انتخابات مبكرة في الإقليم فاز فيها مؤيدو الانفصال عن إسبانيا. وفي عام 2014 أجرى الإقليم اقتراعاً رمزياً على الاستقلال، صوت فيه أكثر من 80 %، أي ما يعادل 1.8 ملايين شخص، لصالح انفصال الإقليم، إلا أن حكومة مدريد لم تعترف بالاستفتاء ولم تكن له أي تبعات مباشرة.
عام 2017، أخيراً نجح الكتالونيين بإجراء استفتاء الانفصال، لكن حكومة مدريداتتخذت إجراءات مضادة لتمنع الانفصال، وحكمت على قادة الإقليم بالسجن.