على رغم تقرب واشنطن وعواصم أوروبية، على رأسها باريس، من نيودلهي في الأشهر الأخيرة، تحت شعار أنّ الهند منصة خلفية للمواجهة مع الصين، فإنّ خبر اللقاء المرتقب بين شي جين بينغ ومودي، لم يبدُ مفاجئاً نظراً إلى سلسلة اللقاءات المتبادلة بين بكين ونيودلهي في الأسابيع القليلة الماضية، كان آخرها لقاء وزير الخارجية الصيني وانغ يي، مع وزيرة الشؤون الخارجية الهندية سوشما سواراج، التي تزور الصين حالياً. هذا مع العلم أنّ الزيارة المرتقبة بعد أيام لمودي، ستعقبها أخرى في شهر حزيران المقبل، لحضور قمة منظمة شنغهاي للتعاون.اللقاءات الثنئاية الأخيرة سبقتها محادثات بين مدير مكتب لجنة الشؤون الخارجية لـ «الحزب الشيوعي الصيني» يانغ جيه تشي، ومستشار الأمن القومي الهندي أجيت دوفال، ومن قبلها انعقاد الاجتماع الخامس لـ «الحوار الاقتصادي الإستراتيجي بين الصين والهند» في بكين. وفي هذا السياق، ما بدا تقارباً بين البلدين أكّدته المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية هوا تشون يينغ، في 16 الشهر الجاري، بقولها إنّ الصين والهند لديهما «مصالح مشتركة واسعة وإمكانات ضخمة للتعاون»، مشيرة إلى أنّ العلاقات الثنائية «شهدت قوة دفع إيجابية مع تبادلات وثيقة وتقدم جديد في التعاون على مستويات مختلفة خلال العام الحالي تحت توجيه قادة البلدين». ولفتت في الوقت نفسه إلى أنّ الجانبين عقدا اجتماعات تتعلق بالشؤون الحدودية وآليات عمل النهر العابر للحدود.
الهند بين

بكين وواشنطن
في المنظور الأميركي في عهد دونالد ترامب، تُعدُّ الهند منصة خلفية لمواجهة الصين، كما أنّها تُعتبر طرفاً رئيساً في أي معادلة جديدة قد تفرضها واشنطن على الحليف الإقليمي باكستان التي سبق لترامب أن قال عنها في بداية العام: «لقد منحت الولايات المتحدة بحماقة باكستان أكثر من 33 مليار دولار كمساعدات خلال الـ 15 عاماً الأخيرة، ولم تعطنا أي شيء سوى الأكاذيب والخداع، متصورة أن قادتنا حمقى». وفي وثيقة الأمن القومي الأميركي التي أعلنها ترامب في كانون الأول الماضي، أدرج ضمن أولويات بلاده في «جنوب ووسط آسيا، تعميق الشراكة الإستراتيجية مع الهند ودعم دورها القيادي في أمن المحيط الهندي ومجمل الإقليم»، مضيفاً: «سوف نعزز تعاوننا الأمني والدفاعي مع الهند التي تُعدُّ شريكنا الدفاعي الرئيسي» إقليمياً.
المسار التصاعدي لخطابات الود بين واشنطن ونيودلهي، وما تبعها من إجراءات عملانية، بدا أنّه تعرض لنكسة إثر إقرار ترامب قبل أكثر من شهر رسوماً على واردات الصلب والألمنيوم، فيما طلبت الهند، الأسبوع الماضي، تعويضات عن خسائر صادراتها في هذا المجال، وتقدمت بشكوى لمنظمة التجارة العالمية. وكان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، قد بعث برسالة إلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب، على هامش منتدى دافوس في كانون الثاني الماضي، تقول: «الحمائية التجارية تثير قلقنا».
بانتظار التوصل إلى اتفاق تجاري بين نيودلهي وواشنطن، ما يعني ضمناً اتفاقات سياسية، فجدير بالذكر أنّه في الأعوام الماضية، شهد التعاون الاقتصادي والتجاري بين الصين والهند تقدماً ملحوظاً، إذ وفق أرقام وزارة التجارة الصينية، ارتفع حجم التبادلات بصورة قياسية، ووصل إلى 84.4 مليار دولار أميركي في 2017، بارتفاع نسبته 20.3 في المئة عن العام الذي سبقه. كما استثمرت الشركات الصينية أكثر من 8 مليارات دولار أميركي في مجال الاستثمار، فيما زادت الشركات الهندية استثماراتها في الصين بمعدل 18.5 في المئة على مدى السنوات الثلاث الماضية. وهذا ما أكّده وزير التجارة الصيني تشونغ شان، في كلمة ألقاها أمام الاجتماع الـ11 للمجموعة المشتركة الصينية ـــ الهندية للعلاقات الاقتصادية والتجارة والعلوم والتكنولوجيا، الشهر الماضي، موضحاً أن بلاده لا تزال حتى اليوم «أكبر شريك تجاري للهند». وأسفر الاجتماع الـ11 عن توفير فرص جديدة لتعميق التعاون الاقتصادي والتجاري الثنائي، بما في ذلك العمل معاً في إطار كل من مبادرة «الحزام والطريق» وحركة «صنع في الهند» ومشروع «الهند الرقمية».
زيارة مودي المرتقبة بعد أيام، ستعقبها أخرى في شهر حزيران المقبل


في السياق، أعلن وزير التجارة والصناعة الهندي سوريش برابهو، أنّ بلاده «مستعدة لتنفيذ التوافق» الذي تم التوصل إليه بين البلدين، مشيراً إلى أن الهند «ستتعلم من الخبرات الصينية» في مجال إقامة المناطق الاقتصادية الخاصة ودفع التعاون في مشروعات المناطق الصناعية. وإضافة إلى ما أثمر عنه الاجتماع الـ11، وقعت الشركات الصينية والهندية، خلال زيارة وفد تجاري صيني إلى الهند، 101 اتفاقية تجارية بتعاقدات بلغت قيمتها الإجمالية 2.38 مليار دولار.
وجاء كل ذلك بعدما أعلنت وزارتا خارجيتي الهند والصين، في آب 2017، أن البلدين اتفقا على سحب قواتهما من خط السيطرة على هضبة دوكلام في جبال الهملايا، في خطوة قال نائب رئيس «المركز الهندي للدراسات» سمير ساران، إنها تؤكد «عدم رغبة البلدين في المواجهة العسكرية... لأنّهما مرتبطان اقتصادياً، ويهتمان بصورتهما كلاعبين دوليين يساهمان في تسوية النزاعات من طريق المفاوضات وليس عبر استخدام القوة».
ومنذ بدء الحديث عن حتمية «الحرب التجارية» بين الولايات المتحدة والصين، اتجهت الأنظار نحو الهند، وسط تضارب التقارير حول موقف الأخيرة من تصاعد النفوذ الصيني، التجاري والسياسي والعسكري، ليس في المنطقة فحسب، بل حول العالم.
في هذا الصدد، اقترحت الصين، الأسبوع الماضي، بناء ممر اقتصادي بين الهند ونيبال يتميز بوصلات متعددة الأبعاد عبر جبال الهيمالايا، فضلاً عن توقيع بكين وكاتماندو مذكرة تفاهم في شأن مبادرة «الحزام والطريق». وتهدف مبادرة «الحزام والطريق» التي طرحها الرئيس الصيني شي جين بينغ، عام 2013، إلى إنشاء «طريق حرير» يربط الصين بجنوب شرقي آسيا ووسط آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا عبر شبكات من الطرق والموانئ والسكك الحديد ومحطات الكهرباء ومشروعات البنى التحتية الأخرى.
ويثير المشروع، الذي يحظى بترحيب أكثر من 100 دولة حول العالم، قلق الولايات المتحدة. وقد رأت مجموعة «سي فور إيه دي أس» الأميركية أنّ المبادرة الصينية ليست اقتصادية بحتة، وإنّما «خُصصت لتوسيع نطاق النفوذ السياسي والوجود العسكري الصيني حول العالم». وأشارت المجموعة إلى أنها قامت بدراسة مشاريع الموانئ التي تمولها الصين، وخلصت إلى أنها «لا تستند إلى مبدأ التنمية الاقتصادية القائمة على الكسب المشترك بالنسبة للدول المضيفة».