استقال رئيس الوزراء الأرميني، سيرج سركيسيان، اليوم، من منصبه، تحت ضغط احتجاجاتٍ شعبية مستمرّة منذ 11 يوماً، وفق ما أفادت به وكالة الأنباء الرسمية في البلاد «أرمن برس». «أغادر منصب قيادة البلاد»، هكذا علّق سركيسيان قبيل استقالته، وفق ما نقل مكتبه الإعلامي، مضيفاً أن رئيس الحركة الاحتجاجية النائب «نيكول باشينيان كان على حقّ. وأنا كنت مخطئاً».
الإفراج عن باشينيان
قبل ساعة على تقديم سركيسيان استقالته، أفرجت السلطات عن باشينيان، وفق صور مباشرة بثّها التلفزيون الأرمني، بعيد توقيفه أمس أثناء تظاهرة حاشدة في يريفان. ظهر في الصور بين مؤيديه الذين رفعوا الأعلام الأرمنية، وانضمّ إلى آلاف الأشخاص في مسيرة في شوارع العاصمة، شارك فيها جنود وطلاب. باشينيان (42 عاماً) هو صحافي سابق ومعارض للنظام، سجن لفترة وجيزة بعدما شارك في حركات احتجاجية عام 2008 ضد سيرج سركيسيان. وفق النيابة العامة، فإن باشينيان أوقف «بينما كان يرتكب أعمالاً تشكّل خطراً على المجتمع».
من جهة ثانية، صرّح النائب الأول لرئيس الوزراء الأرميني، كارن كارابيتيان، للتلفزيون الرسمي بأنه سيلتقي اليوم نيكول باشينيان «لمناقشة احتمال الحوار معه»، عشيّة الذكرى السنوية للمجازر الأرمنية (1915)، التي وصفها كارابيتيان بأنها «يوم مهمّ جداً بالنسبة إلى شعبنا». بدوره، دعا وزير الدفاع، فيغين سركيسيان، المتظاهرين والسلطات إلى «الحوار»، مضيفاً في مؤتمر صحافي: «لا أريد أن يتقاتل أرمني ضد أرمني آخر».
اعتقال باشينيان فاقم الأزمة السياسية في البلاد، إذ غصّت ساحة الجمهورية في قلب العاصمة، أمس، بآلاف المحتجين الرافضين تعيين سركيسيان رئيساً للوزراء. وكانت الشرطة قد أعلنت أيضاً اعتقال مئات المتظاهرين، فيما طلب سبعة محتجين مساعدة طبية، وفق وزارة الصحة. من جهتها، أعلنت وزارة الداخلية أنها اتخذت قراراً بـ«تفريق المتظاهرين، بمن فيهم المجتمعون في ساحة الجمهورية في يريفان»، محذّرةً بأنه «بهدف القيام بواجباتها، أذن للشرطة القيام باعتقالات واستخدام القوّة».

اليوم الحادي عشر
اليومُ هو اليوم الحادي عشر على التوالي من الاحتجاجات، التي طالبت فيها المعارضة باستقالة سركيسيان، متهمة إياه بأنه متمسك بالسلطة بعدما عُيّن رئيساً للوزراء مع صلاحيات معزّزة، بعد عشرة أعوام على رأس الدولة.
رئيس الوزراء المستقيل سيرج سركيسيان(أ ف ب )

اللافت اليوم انضمام مجموعة جنود فاعلين إلى الاحتجاجات، وفق وزارة الدفاع الأرمينية، التي تعهدت بـ«ملاحقة» هؤلاء الجنود في «لواء حفظ السلام… الذين انتهكوا القانون» عندما شاركوا في المسيرة المناهضة للحكومة.
شارك في المسيرة أيضاً طلاب من كلية الطبّ بقمصانهم البيض وعدد كبير من الجنود السابقين ببزاتهم العسكرية، ورفعوا الأعلام الأرمينية وأغلقوا الطرق لوقتٍ قصير.

محاولة التفاوض
تزامن ذلك مع إخفاق محاولةٍ للتفاوض، قبل ظهر أمس، بين باشينيان ورئيس الوزراء خلال لقاء عقده الرجلان في أحد فنادق يريفان الكبرى. قال باشينيان لمحاوره: «جئت لأبحث استقالتك». ردّ سركيسيان أن «هذا ليس حواراً، إنه ابتزاز».
تواصل السجال الحادّ، فقال باشينيان: «أنت لا تفهم الوضع في أرمينيا. السلطة الآن بأيدي الشعب». أجابه رئيس الوزراء المستقيل بأن «حزباً حصل على نتيجة 8 في المئة في الانتخابات التشريعية لا يمكنه أن يتحدث باسم الشعب»، ثم غادر القاعة.

لماذا التظاهرات؟
بناء على دعوة باشينيان، تواصلت التظاهرات في الأيام العشرة الأخيرة في يريفان. يتّهم المحتجون سركيسيان الذي أنهى لتوّه ولايته الرئاسية الثانية، بالتمسك بالسلطة من خلال حمل النواب على انتخابه رئيساً للوزراء.
فيما يمنع الدستور الرئيس من البقاء في الحكم لأكثر من ولايتين، حمل سركيسيان النواب على التصويت عام 2015 على إصلاح مثير للجدل نقل القسم الأكبر من الصلاحيات إلى رئيس الوزراء، وحوّل الرئاسة إلى منصب فخري إلى حدّ بعيد.
بمعزل عن مناورات سركيسيان الرامية إلى بقائه في السلطة بعدما قضى أكثر من عشر سنوات ممسكاً بزمام الأمور في سدة الرئاسة، يأخذ المحتجون على هذا العسكري السابق البالغ من العمر 63 عاماً عجزه عن الحد من الفقر والفساد، في حين لا يزال كبار الأثرياء يسيطرون على اقتصاد هذا البلد القوقازي الصغير.

الموقف الدولي
دعت السفارة الأميركية في يريفان، في بيان، «الحكومة إلى التحلي بضبط النفس للسماح بقيام احتجاجات قانونية... والذين يمارسون حقّهم في حرية التجمع إلى التصرف بطريقة مسؤولة وتفادي أعمال العنف».
بدوره، أعرب وفد الاتحاد الأوروبي عن «قلقه» لتفاقم الأزمة في هذا البلد البالغ عدد سكانه 2.9 مليون نسمة، داعياً إلى أن «يتحلّى جميع الأطراف بضبط النفس وحسّ المسؤولية وأن يبحثوا بشكل عاجل عن حلّ من خلال مفاوضات».
كذلك، صرّح المتحدث باسم الرئاسة الروسية، ديمتري بيسكوف، بأن الكرملين يتابع «عن كثب الوضع في أرمينيا... البلد المهم للغاية» بالنسبة إلى روسيا و«حليفه القريب جداً»، لافتاً إلى أن حركة الاحتجاج هي «شأن أرميني داخلي».