هذه الرزمة كانت مخصصة لدعم الدول الأقل نمواً في الاتحاد. أما الآن، فستأخذ بروكسل معايير أخرى بالاعتبار في سياق هندسة آلية جديدة لتحديد نسب التوزيع، تعتمد على معايير أوسع: نسب البطالة لدى الشباب، التعليم، والهجرة. كذلك طرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إلى جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أن تُخصَّص مبالغ أكبر للدول التي استقبلت العدد الأكبر من اللاجئين. كذلك ستقوم المفوضية الأوروبية بمراجعة شروط استحقاق الدعم لتضيف إليها: الامتثال لسيادة القانون، وفرض المزيد من القيود على كيفية استخدام أموال الاتحاد.
لا تعني هذه المبادرة أنّ بنية «الاتحاد» لم تعد بحاجة إلى إعادة تركيب
ومن المتوقع أن تذهب المبالغ الكبرى نحو دول الجنوب الأوروبي، أي اليونان، وإيطاليا، وإسبانيا، ما يعني أن الاتحاد بات يرى أن ليس بإمكان هذه الدول، خاصة اليونان، الاستمرار في ظل نسب نمو ضئيلة (كانت قد تحسنت قليلاً في عام 2017، وعادت في العام الحالي نحو التباطؤ) وأحجام هائلة من الديون المتزايدة عاماً بعد عام. وبعدما استخدم الاتحاد، لسنوات، هذه الدول كمثال لما يحصل لأي دولة أوروبية تهدد بالانفصال، بات اليوم أمام مهمة احتواء أزماتها كي لا تُغرِقُه في ظل معاناته أيضاً من تباطؤ في النمو، ومن الآثار التي سيتركها «البريكست».
بطبيعة الحال، لا تعني هذه المبادرة أنه لم تعد هناك حاجة لإعادة تركيب بنية الاتحاد القائمة على عملة موحدة واقتصادات متفاوتة وهيمنة ألمانية. وإذا أخذنا إيطاليا مثالاً، كما يقول المحرر في «فايننشل تايمز»، تَظهر الحاجة الملحّة للتغيير البنيوي، فالاتحاد لا يملك أي أدوات لاحتواء الأزمة في إيطاليا، خاصة أنّ رزم الإنقاذ أصغر من أن تتمكن من تحقيق ذلك. كذلك لا يمكن الاستمرار في التقشف كمنهج إنقاذ.
من هنا، مع تزايد المخاوف في الاتحاد في ظل «البريكست»، ووسط التوقعات بتباطؤ في النمو (ما يراه البعض عودة إلى الاتجاه التباطؤي الذي تشهده أوروبا منذ أزمة 2008)، إضافةً إلى الحرب التجارية التي يهدد بها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، العالم للنيل من الصين (إذا لم يتوصلا إلى اتفاق)، تطرق الحديث بين ميركل وماكرون في الأسبوع الماضي إلى «إصلاح الاتحاد». ورغم أنهما اختلفا كثيراً، فإن الكلام بذاته عن الأمر إشارة إلى استيعاب الاتحاد حجم الأزمة التي يمكن أن يجد نفسه فيها.