أشعلت زوبعة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في واشنطن النقاش المحتدم حول ملف إيران النووي، قبل أن تتكشّف عن فشل المبادرة الفرنسية (المغلّفة أميركياً) في إقناع دونالد ترامب. بحسب ماكرون، لم يتوصل الرجل في محادثاته مع نظيره الأميركي إلى اتفاق بشأن إيران. الأخيرة، المعنية بالاتفاق النووي، ومعها روسيا المعنية أيضاً كونها شريكة في التوقيع على الاتفاق، أجهضتا مساعي ماكرون للنفاذ إلى الاتفاق من طريق التفاوض على «اتفاق جديد أكثر شمولية». أكدت موسكو أمس أنها «لا ترى أي مجال لإدخال تعديلات على الاتفاق النووي»، كما جاء في كلام المتحدثة باسم الخارجية ماريا زاخروفا التي أبدت «القلق الشديد» من تصريحات ماكرون وترامب.موقف الخارجية الروسية الرافض لإعادة تعديل الاتفاق، بما ينسجم ورد الرئيس الإيراني حسن روحاني على تصريحات ماكرون، قَطَع الطريق على المخرج الفرنسي الذي قدمته باريس لترامب؛ ذلك أن المقترح الفرنسي كان يقوم على خوض مفاوضات جديدة. مفاوضات تشترك فيها إيران حكماً، لتأجيل إعادة النظر في الاتفاق، وصياغة اتفاق جديد أكثر شمولية يراعي هواجس الإدارة الأميركية من ناحية مدى القيود الواردة على البرنامج النووي، وإضافة بندين آخرين من خارج الاتفاق: البرنامج الصاروخي، ونشاط إيران «المزعزع للاستقرار» في المنطقة. وما إن غادر ماكرون الولايات المتحدة حتى أكد ترامب عدم التوصل إلى اتفاق مع الضيف الفرنسي. أما ماكرون، الذي بدا متبنّياً للموقف الأميركي على حساب موقف شركائه الأوروبيين، ولم يحد عنه سوى في اقتراحه الإبقاء على الاتفاق الحالي لإبرام اتفاق آخر، فقد خرج بعد زيارة دامت ثلاثة أيام ليقول: «لا أعلم القرار الأميركي، لكن التحليل العقلاني لكل تصريحات الرئيس ترامب لا يقودني إلى الاعتقاد بأنه سيفعل كل شيء للبقاء في الاتفاق».
ولايتي: إيران لن تقبل اتفاقاً نووياً لا يجلب لها منافع


لا يزال الغموض يخيّم على تصرّف ترامب في 12 أيار المقبل، على الرغم من أن انضمام مايك بامبيو، أمس، إلى فريق ترامب على رأس وزارة الخارجية، لا يعزّز لدى المراقبين فرص القبول بالحلول المهادِنة لطهران. وعزّز وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس، أمس، سياسة الغموض في البيت الأبيض، عبر قوله إنه «لم يتم التوصل بعد إلى قرار بشأن ما إذا كانت واشنطن ستنسحب من الاتفاق النووي الإيراني». ويبقى الترقّب لما ستسفر عنه زيارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للولايات المتحدة، اليوم، والتي ستخوض مع ترامب محاولة مماثلة لمحاولة الرئيس الفرنسي، بهدف ثني الرئيس الأميركي عن إفشال الاتفاق النووي، وتقويض المصالح التجارية الأوروبية مع إيران.
لا شيء في الموقف الإيراني، حتى الآن، يدعو إلى الاعتقاد بأن المحاولة الأوروبية الثانية مع ترامب، التي تقودها ميركل، تحظى بما يمكن أن يقنع ترامب بالتراجع. موقف طهران الرافض للتفاوض مع الأميركيين، جدّده أمس مستشار المرشد علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، الذي جزم بأن مفاوضة إيران على نشاطها في المنطقة نزولاً عند رغبة الأميركيين والأوروبيين غير وارد، قائلاً: «هذه منطقتنا. نحن في منطقتنا وهذا أمر مشروع». وحذر ولايتي من أن «الإبقاء على عقوبات مفروضة على إيران تحت أي مسمى وبأي ذريعة لن يكون مقبولاً»، معتبراً أن إدخال تعديلات على الاتفاق لتشجيع ترامب على عدم التخلي عنه سيجعله «بلا جدوى». وبدا ولايتي، في تصريحاته أمس، حاسماً لجهة ردّ الفعل الإيراني على انسحاب ترامب من الاتفاق، بالقول: «إذا خرج ترامب من الاتفاق فإن إيران حتماً ستنسحب منه... إيران لن تقبل اتفاقاً نووياً لا يجلب لنا منافع»، مشدداً على أن بلاده ترفض «أي تغيير أو تعديل على الاتفاق الراهن».
تصريحات ولايتي، بعد مواقف روحاني أول من أمس، تؤكد اتحاد موقف القيادة الإيرانية على الصعد كافة، وأهمّها إقفال الباب بوجه أي ابتزاز بواسطة الملف النووي، لفتح باب التفاوض على ملفّي القدرات العسكرية والدور الإقليمي في المنطقة، خصوصاً الوجود الإيراني في سوريا، وهو ما سيجعل مسعى ترامب في استدراج إيران إلى التفاوض أكثر صعوبة. موقف كان عبّر عنه المرشد الإيراني في مناسبة سابقة، ليعود ويؤكده بطريقة غير مباشرة. ولئن تجنّب خامنئي، أمس، الخوض في التعليق على تصريحات ترامب وماكرون، فإنه في الوقت نفسه أكد أن بلاده لن ترضخ أبداً «للبلطجة» الأميركية. وقال خامنئي إن «الشعب الإيراني قاوم بنجاح محاولات البلطجة من جانب أميركا وقوى أخرى متغطرسة... وسنواصل المقاومة». ودعا خامنئي الدول الإسلامية إلى «أن تتّحد ضد أميركا وغيرها من الأعداء»، مبدياً أسفه لتصريحات ترامب التي قال فيها إن بعض دول الشرق الأوسط «لن تصمد أسبوعاً» من دون الحماية الأميركية. ورأى أن «مثل هذه التصريحات تحطّ من قدر المسلمين... للأسف هناك حرب في منطقتنا بين دول إسلامية. الحكومات الرجعية في بعض الدول الإسلامية تتقاتل مع دول أخرى».
( رويترز، أ ف ب)