خلال الأسبوع الجاري، حذّر «صندوق النقد الدولي» من خطر تصاعد الدين العام المستحق على بلدان أفريقيا جنوب الصحراء. ورغم أن التقديرات تشير إلى نمو اقتصادي بلغ 3.4% في تلك المنطقة لعام 2018، مقابل 2.8% في 2017، فإن الزيادة في الدين العام الذي بات يتجاوز قدرات تلك الدول الاقتصادية والمالية، تمثل خطراً على التنمية المستدامة فيها، وهو ما دفع الصندوق إلى إطلاق جملة من التوصيات للدول المعنية كـ«تحسين التحكم في الميزانية وجباية الضرائب، إضافة إلى خلق بيئة ملائمة للاستثمار وزيادة النمو على المدى المتوسط».وقدّم تقرير نشره «النقد الدولي» الثلاثاء من العاصمة الغابونية ليبريفيلا، دراسة مفصلة عن الأعوام الستّة الأخيرة، موضحاً أن هناك نحو 40% من الدول المنخفضة الدخل في هذا الإقليم مهددة بأزمة ديون، إذ إن متوسط الدين العام لديها تجاوز 50% من الناتج الإجمالي المحلي نهاية العام الماضي. وقد لا تبدو هذه النسب مقلقة بالمعايير الغربية، لكن أسباباً عدّة تعرقل العمل على خفض الديون الخارجية، أولها الفائدة المرتفعة على الديون بالنسبة إلى تلك المنطقة والشروط غير التسهيلية التي تخضع لها، إضافة إلى تدني الإيرادات العامّة، والاقتراض بالعملة الأجنبية ومن ثم التعرض لمخاطر الصرف.
وثمة أسباب أخرى، منها تراكم الدين الذي أدّى إلى أعلى نسبه منذ أن استفادت المنطقة من تخفيف عبء الديون في إطار «مبادرة البلدان الفقيرة المثقلة بالديون» (التي أجراها الصندوق عام 1997 بالتعاون مع البنك الدولي لتقديم مساعدات استثنائية لخفض أعباء الدين الخارجي)، وأيضاً «المبادرة المتعددة الأطراف لتخفيف عبء الديون» (عام 2005) ومجموعة من البرامج للتخفيف من الديون الثنائية، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة تلك البلدان على سداد هذه الديون.
صنّف صندوق النقد 8 بلدان هناك بأنها الأكثر تأثراً، 6 منها في «المنطقة الحمراء»


وثمة ثمانية بلدان هي الأكثر تأثراً بالوضع القائم، ستة منها وضعت في المنطقة الحمراء نهاية 2017: تشاد وإريتريا وموزمبيق وجمهورية الكونغو وجنوب السودان وزيمبابوي، بينما انتقلت زامبيا وإثيوبيا من حالة الخطر «المعتدل» إلى «المرتفع» وفقاً للتقرير. وكان الصندوق قد قدّر في آب الماضي قيمة الدين العام لجمهورية الكونغو بنحو تسعة مليارات دولار، أي 120% من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. وفي حين يُتوقع أن تشهد الدول المصدرة للنفط نمواً بطيئاً هذا العام، من المنتظر أن تعرف الدول غير المصدرة للنفط زيادة في النمو. وإذا كانت نسبة النمو المتدنية مفاجئة في كل من نيجيريا (+ 2.1 بالمئة) وجنوب أفريقيا (+ 1.5 بالمئة)، فإن الأمر ليس مستغرباً في بلدان الصراع كبوروندي (+ 0.1 بالمئة) وجنوب السودان (-3.8 بالمئة).
تعقيباً على ذلك، صرح رئيس قسم أفريقيا في «صندوق النقد»، أبيبي أمرو سيلاسييه، بأنه من بين 35 دولة منخفضة الدخل في المنطقة هناك 15 تعاني الآن من الديون أو معرضة لمخاطر الإفراط في الديون. وبينما من المرجح أن يتراجع الاقتصاد العالمي مع ارتفاع أسعار الفائدة في أعقاب تشديد السياسة النقدية الأميركية، لا يجب أن تتوقع منطقة جنوب الصحراء أن يتجاوز متوسط نموها السنوي الـ 4% على المدى المتوسط، وهي نسبة غير كافية لهذه الدول من أجل تحقيق أهدافها في التنمية المستدامة، يقول التقرير.
في المقابل، عرض «النقد الدولي» جملة من الحلول بدأها بدعوة الحكومات إلى التحكم في ميزانياتها لتجنب زيادة الدين العام، ومن ثم اللجوء إلى الضرائب التي من شأنها تحقيق ما بين 3% و5% من الناتج المحلي الإجمالي الإضافي، والمساهمة في توفير الموارد للبنية التحتية والإنفاق على السكان الأكثر فقراً. كذلك دعا الصندوق إلى إصلاحات لجذب الاستثمار الخاص الذي اعتبره ــ تماشياً مع توجهه النيوليبرالي ــ الأسلوب «الوحيد القادر على خلق الوظائف التي يحتاج إليها شباب أفريقيا»، ولا سيما عن طريق تنشيط التجارة داخل القارة. لكن التقرير يرى أن عودة أسعار النفط نحو الارتفاع والانتخابات القريبة في أكثر من بلد والتحولات السياسية التي يشهدها العديد من دول تلك المنطقة قد تقلل الرغبة في إجراء هذه الإصلاحات (التي أظهرت التجارب السابقة أنها لا تلقى صدى شعبياً)، ما قد يؤدي إلى مزيد من التعثرات السياسية على المدى البعيد.