منذ إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات على طهران، تراوح المشاورات الدبلوماسية بين الإيرانيين والأوروبيين وبقية شركاء الاتفاق، مكانها، من دون أن تفضي إلى حل جدّي قادر على فرض حماية عملية لمكتسبات الاتفاق. لم تمنع الإجراءات الأوروبية لحماية الشركات العاملة في إيران أو معها، المتمثلة بتفعيل قانون «التعطيل»، من مغادرة الشركات الكبرى والمصارف للجمهورية الإسلامية. وهذه الحالة تدفع بالدبلوماسية الإيرانية النشطة هذه الأيام إلى إعلان أن ما توصل إليه الأوروبيون غير كاف حتى الآن، ولا يقدم «الضمانات» التي تشترطها إيران للبقاء في الاتفاق.الموقف الإيراني أبلغه وزير الخارجية محمد جواد ظريف لمفوض الاتحاد الأوروبي للطاقة ميغيل أرياس كانتي، أمس. وقال ظريف لكانتي إنه «مع انسحاب أميركا زادت توقعات الرأي العام الإيراني حيال الاتحاد الأوروبي من أجل الحفاظ على مكاسب الاتفاق»، قبل أن يستدرك بالقول: «الدعم السياسي من الاتحاد الأوروبي للاتفاق ليس كافياً». وأوضح للمسؤول الأوروبي الذي زار طهران لتنسيق جهود الحفاظ على الاتفاق، أن «إعلان شركات أوروبية كبرى احتمال انسحابها من تعاونها مع إيران لا يتسق مع التزام الاتحاد الأوروبي». ورأى أن تعهدات الاتحاد الأوروبي لإنقاذ الاتفاق غير كافية وأن عليه أن يقوم «بخطوات ملموسة إضافية وأن يزيد استثماراته في إيران».
لكن تقرير الفريق الإيراني المفاوض، المرفوع للبرلمان، يشير إلى أن قانون التعطيل مجدٍ مع الشركات المتوسطة والصغيرة، على عكس الحال مع الشركات الكبرى، كما يشير التقرير إلى أن أيدي الأوروبيين «مغلولة» على رغم ظهور الخلافات مع الأميركيين ونوايا الأوروبيين برهنة «السيادة» بوجه الضغوط الأميركية، وهو ما جعل التقرير يخلص إلى أن الوفد «راضٍ حيال سير المفاوضات مع الأوروبيين». ولفت الناطق باسم رئاسة البرلمان بهروز نعمتي، إلى أنه تم البحث في اجتماع مغلق، على ضوء التقرير، الضمانات التي يجب على الأوروبيين تقديمها بعد الانسحاب الأميركي، مضيفاً: «المفاوضات جارية ولم نصل إلى موقف موحد ونهائي».
يدرس الأوروبيون إنشاء «صندوق تعويضات» لحماية الشركات من العقوبات


وشكك مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، من جهته، في المواقف الغربية، معتبراً أن الدول الأوروبية تطلق مواقف متضاربة، واصفاً ذلك بـ«الأمر المثير للشكوك». وأمل ولايتي في أن يحصل المسؤولون الإيرانيون على ضمانات في مفاوضاتهم «إذ إنه لا يمكن الوثوق بطرف متذبذب الموقف يطلق تصريحات متناقضة».
وتأتي المواقف الإيرانية في وقت تتواصل التصريحات الأوروبية حيال دعم الاتفاق وابتكار حلول عملية لإنقاذه، فيما تستمر الشركات والمصارف الغربية في إعلان انسحابها من إيران بغية تجنب العقوبات الأميركية، من دون أن يظهر أثر فعلي للإجراءات الأوروبية على قرار الشركات الكبرى. وفي تصريح من شأنه أن يضيف ضمانات للشركات الأوروبية المتعاملة مع إيران، قال وزير المالية الفرنسي برونو لو مير، أمس، إن بلاده تنظر في ما إذا كان بمقدور الاتحاد الأوروبي أن يعوض الشركات الأوروبية التي قد تواجه عقوبات من الولايات المتحدة. وجدّد لو مير رفضه أن تلعب واشنطن دور «الشرطي الاقتصادي للعالم»، مشيراً إلى ضرورة أن يشدد الاتحاد الأوروبي من قواعد «التعطيل» التي يرجع تاريخها إلى عام 1996، والتي قد تسمح بالتدخل لحماية الشركات الأوروبية.
ويلمح الوزير الفرنسي في حديثه عن تعويض الشركات الأوروبية إلى مسار قانوني يجري تداوله أوروبياً، يتضمن مجموعة إجراءات تتبع تفعيل قانون «التعطيل»، للحد من تأثير العقوبات الأميركية، والحفاظ على المصالح الأوروبية في إيران. وعلى رأس هذه الإجراءات معلومات يجري تداولها حول إنشاء «صندوق تعويضات» يعمل على شقين: الأول، يمكّن الشركات الأوروبية من استعادة الرسوم والغرامات التي تفرضها الهيئات الناظمة الأميركية على الأنشطة مع إيران والمسموحة بموجب القانون الأوروبي. أما الثاني، وهو الأكثر تعقيداً وكلفة، فيعطي الهيئات الناظمة في الاتحاد الأوروبي صلاحية الإشراف على نشاط وزارة الخزانة الأميركية والتدقيق في تطبيقها للعقوبات الثانوية ضد الشركات الأوروبية وأصولها التي تقع في نطاق القانون الأميركي وسلطاته القضائية. وتتواصل التحركات على خط إنقاذ الاتفاق النووي، ومن المتوقع أن تعقد اللجنة المشتركة للاتفاق، المشكلة بناء على طلب طهران، الجمعة المقبل، اجتماعها الأول من دون مشاركة أميركية. وقال مساعد وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، أمس، إن اللجنة المشتركة ستجتمع الجمعة المقبل «بهدف دراسة الأبعاد الناجمة عن خروج الولايات المتحدة»، مؤكداً أن المحادثات مع الأوروبيين تقتصر على ضمان مصالح إيران «وليست لدينا أي محادثات حول قضايا غير الاتفاق».