رأى مشرّعون بريطانيون في تقرير، اليوم، أن خطط حكومتهم لاتخاذ «موقف ضد سياسة موسكو الخارجية العدائية» تخفق، والسبب أموالٌ روسية مخبّأة في أصول بريطانية ويتمّ غسلها في مؤسسات لندن المالية. استدعى هذا التقرير للجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني رداً من الكرملين، الذي رأى أن ما ورد فيه من حديثٍ عن «أموال قذرة» روسية تخترق لندن، يعكس «هستيريا» الخوف من موسكو في بريطانيا. وفق ما قال المتحدّث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، فإن هذا التقرير «ليس سوى أحدث خطوة في المنافسة العدائية غير العادلة» ضدّ موسكو. يأتي ذلك بعدما أكد المتحدث باسم رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، اليوم، أن بريطانيا عازمة على مواجهة مشكلة تدفّق الأموال غير المشروعة بعد صدور التقرير المذكور، الذي يقول إن أموالاً روسية يتم غسلها في مؤسسات مالية بريطانية تضر بالأمن القومي البريطاني.
صدور هذا التقرير يأتي في سياق قيادة بريطانيا لأشهر تحركات دبلوماسية دولية ضد روسيا، في أعقاب اتهام لندن لها بتسميم العميل الروسي السابق في بريطانيا، سيرغي سكريبال، الذي خرج من المستشفى بصحة جيدة قبل أيام عدة، فيما تعهدت بريطانيا بعدها باتخاذ إجراءات إضافية لتشديد العقوبات على الروس.

ماذا في التقرير؟
وفق لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان البريطاني، فإن الأموال الروسية تقوّض انتقاد بريطانيا للكرملين، وتدعم ما وصفته بحملة الرئيس فلاديمير بوتين «لتخريب النظام الدولي القائم على قواعد».
رئيس اللجنة، توم توجندهات، قال إن «نطاق الضرر الذي يمكن أن تسببه هذه الأموال القذرة لمصالح السياسة الخارجية البريطانية تتضاءل أمامه فائدة المعاملات الروسية في المركز المالي بالمدينة». وأضاف أنه «لا يوجد عذر لدى المملكة المتحدة لتغض الطرف عن الفاسدين ومنتهكي حقوق الإنسان التابعين للرئيس بوتين الذين يستخدمون الأموال، التي يتم غسلها في لندن لإفساد أصدقائنا وإضعاف تحالفاتنا وتبديد الثقة في مؤسساتنا».
وأوصت اللجنة بأن تعمل بريطانيا مع الحلفاء الدوليين لجعل الأمر أكثر صعوبة على روسيا لإصدار السندات الدولية، التي لا تخضع للعقوبات، عبر بنوك خاضعة للعقوبات، وهي ممارسة قال التقرير إنها تقوّض الجهود الرامية إلى كبح السلوك الروسي.
خصت اللجنة بالنقد مؤسسة «لينكليترز»، وهي واحدة من أبرز الشركات القانونية في بريطانيا، بسبب عملها على صفقات تشمل شركات روسية مقربة من بوتين. قالت إن على آخرين أن يصدروا حكمهم بشأن ما إذا كانت الشركة قد أصبحت «منخرطة بشدة في فساد الكرملين ومؤيديه، حتى إنها لم تعد قادرة على الالتزام بالمعايير المتوقعة من شركة قانونية خاضعة للإجراءات التنظيمية البريطانية». وردّت « لينكليترز» بالقول إنها «مندهشة وقلقة» من هذا النقد، وترفض أي تلميحات بتورطها في الفساد لمجرد أنها تعمل في سوق بعينها.

محاربة الفساد... بعد 27 عاماً؟
منذ عام 1991، أي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، استفاد المركز المالي في بريطانيا بشكل كبير من التدفق الهائل للأموال الروسية، وظلت لندن العاصمة الغربية المفضلة للمسؤولين الروس الذين يتباهون بثرواتهم في أرقى الأماكن في أوروبا.
أما الآن، فقد رأت الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا هذا الشهر، أن مئات المليارات من الجنيهات الاسترلينية التي تخرج من عمليات غسل الأموال تؤثر على بريطانيا سنوياً، وأن بريطانيا أصبحت وجهة رئيسية للروس الذين يسعون الى إضفاء الشرعية على إيرادات الفساد.
بالنسبة الى تقرير اللجنة البرلمانية، فقد تابع أن «حجم أسواق المال في لندن وأهميتها للمستثمرين الروس يعطي بريطانيا ميزة كبيرة على الكرملين». كذلك، فإن «استخدام لندن كقاعدة لأصول الفساد الخاصة بأفراد على صلة بالكرملين أصبح مرتبطاً الآن بوضوح باستراتيجية روسية أشمل وله تداعيات على أمننا الوطني».
وأوصت اللجنة باتخاذ «المزيد من الإجراءات المحلية» لتشديد العقوبات على الأفراد وإجراءات دولية لسد الثغَر التي تمكن روسيا من إصدار سندات سيادية عبر بنوك خاضعة للعقوبات، توازياً مع العمل مع الاتحاد الأوروبي وواشنطن بهدف «إيجاد سبل لمنع شراء السندات الروسية، التي تبيعها بنوك خاضعة للعقوبات ولفرض حظر على غرف المقاصة الأوروبية التي تعرض السندات الروسية».