جددت أوروبا، أمس، تأكيد التزامها بالاتفاق النووي مع طهران. وفي ثاني اجتماع من نوعه منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق، تمسّك وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي بحماية الشركات الأوروبية العاملة في إيران أو المتعاملة معها، من العقوبات الأميركية. في الأثناء، بدأت إيران تحركاً باتجاه الأسواق الآسيوية، تحسباً لضرورات المرحلة المقبلة، بداية من الهند، على أن يبلغ التحرك ذروته في قمة ثلاثية، إيرانية روسية صينية، ستعقد الشهر المقبل.لا تزال الأخبار الآتية من بروكسيل وعموم الحراك الدبلوماسي في أوروبا «مبشرة» بالنسبة للحكومة الإيرانية. الموقف الأوروبي ثابت عند دعم الاتفاق النووي مع إيران على رغم انسحاب واشنطن، ومواصلة العمل التجاري مع طهران، وتثبيت الإجراءات الرادعة للعقوبات الأميركية. هذه خلاصة اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في العاصمة البلجيكية أمس. اجتماع حسم سياسة الاتحاد تجاه الاتفاق النووي والاستراتيجية الأوروبية حيال إيران.
لكن الموقف الأوروبي لن يكون كافياً من المنظار الإيراني، حيث تعكف الحكومة على بلورة استراتيجية اقتصادية تتماشى والواقع الجديد الذي تفرضه عقوبات الإدارة الأميركية. من هذا المنطلق، عمدت حكومة الرئيس حسن روحاني إلى إقرار توسيع العلاقات التجارية مع دول الجوار، والأسواق الآسيوية والشرقية، لا سيما الهند والصين وروسيا. وهي أسواق ستشكل حاجة ملحة في المرحلة المقبلة، كبديل يفرضه ضيق الخيارات التجارية مع دخول العقوبات حيز التنفيذ، لا سيما في مجال بيع النفط والغاز. ولعل التحرك الإيراني باتجاه روسيا والعملاقين الآسيويين، الصين والهند، مرده إلى تشجيع الأوروبيين على اتخاذ سياسة صارمة بوجه القرارات الأميركية، إذ كرر المسؤولون الأوروبيون في الفترة الماضية خشيتهم من خسارة السوق الإيرانية لحساب الشركات الصينية. وهكذا سيشكل التعاون بين طهران والعواصم الشرقية، عامل ضغط يحفز الأوروبيين على التمسك باجتراح ضمانات لإيران تحفظ المكتسبات الاقتصادية من الاتفاق النووي، وتحمي الشركات الأوروبية العاملة في إيران أو المتعاملة معها.
قمة إيرانية ــ روسية ــ صينية الشهر المقبل في شنغهاي


من جهة ثانية، فإن حكومة روحاني ملزمة باجتراح بدائل من التعاون مع الأوروبيين، تحت وطأة ضغوط البرلمان الإيراني ومؤسسات أخرى في النظام، تشكك بقدرة الأوروبيين وجديتهم في المضي بصيغة فاعلة لتطبيق الاتفاق خارج السرب الأميركي. من هنا، تتوجه الأنظار إلى قمة ثلاثية ستجمع رؤساء كل من إيران والصين وروسيا، على هامش اجتماع منظمة «تعاون شنغهاي»، التي ستعقد في التاسع والعاشر من حزيران المقبل، بحسب ما أعلن وزير الخارجية الصيني، وانغ يي. ولئن لم يكشف عن جدول أعمال القمة الثلاثية، إلا أن حضور الاتفاق النووي، والتعاون في إطار مرحلة انسحاب واشنطن، يبرز كملف رئيس على جدول أعمال موسكو وبكين، الداعمتين لاستمرار العمل بالاتفاق. وفضلاً عن أهمية التعاون الصيني - الإيراني في هذه المرحلة لما يمكن أن يقدمه من استثمارات بديلة لبكين تحل محل الشركات الأوروبية المغادرة، فإن الصينيين يحرصون على استمرار التعاون الاقتصادي الحالي مع طهران و«تفادي تعطيل رئيسي للمشروعات المشتركة بين الجانبين»، وفق نائب وزير الخارجية الصيني تشانغ هان هوي. الحرص على التعاون مع إيران تجارياً واقتصادياً أبدته موسكو في مناسبات سابقة، وظهر بصورته العملية من خلال توقيع مذكرات التعاون مع الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، قبل أيام.
ويتولى وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، تثبيت التعاون التجاري الكبير مع الهند، ضمن زيارة يقوم بها إلى نيودلهي. وهو تعاون يعد مهماً بالنسبة إلى طهران، وكذلك بالنسبة إلى الهند التي تعد سوقاً ضخمة للنفط الإيراني (تستورد نيودلهي بمعدل يزيد على 425 ألف برميل من النفط الإيراني يومياً)، فضلاً عن وجود مشروع ميناء جابهار المشترك. وعقب لقاء ظريف مع نظيرته الهندية، سوشما سواراج، أمس، أكدت الأخيرة في حديث إلى الصحافيين عدم الاعتراف بالعقوبات الأميركية، بالقول: «نعترف بالعقوبات التي تفرضها منظمة الأمم المتحدة، ولا نعترف بتلك التي تفرضها الدول». وشددت سواراج على أن سياسة نيودلهي الخارجية «لا تقوم على أساس ضغوطات من دول أخرى».
أوروبياً، جددت وزيرة خارجية الاتحاد فيديريكا موغيريني، من بروكسيل، التشديد على تمسك الاتحاد بالاتفاق النووي الإيراني. وقالت، في مؤتمر صحافي في العاصمة البلجيكية حيث شهد اجتماع وزراء خارجية الاتحاد مناقشة سبل حماية الاتفاق النووي، إن الاجتماع ناقش «تدابير الحفاظ على الاتفاق النووي والتزاماتنا النووية مع إيران، وهذه أيضاً مصلحة أمنية لأوروبا، لأنه في غياب الاتفاق أمن أوروبا والمنطقة سيكون على المحك». وأكدت أن الشركات الأوروبية العاملة في إيران «سيكون لها درع قانوني يحمي عملها».