منذ إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانسحاب من اتفاق إيران النووي، لا تتوقف حكومة الولايات المتحدة عن إقرار عقوبات ضد إيران، آخرها حزمة جديدة اتخذت طابعاً رمزياً. إذ أقرت وزارة الخزانة، أمس، فرض إجراءات ضد عدد من المؤسسات والشخصيات، في ما بدا محاولة لتصويب الأنظار إلى النظام الإيراني، وإحراجه داخلياً، عبر تسليط الضوء على جهات تُعدّ جدلية وترتبط بمزاعم حول القمع والملاحقات الأمنية. وهو ما يعزز اتهامات طهران، التي نفاها الأميركيون في أكثر من مناسبة، بشأن نوايا قلب النظام الإيراني والتدخل في الشؤون الداخلية، حيث أتت العقوبات لتكرّس سياسة «شيطنة» النظام، وتبني الروايات الإقليمية والغربية المعادية حول قضاياه الداخلية.فالعقوبات التي عادة ما تستهدف حصار مؤسسات عسكرية أو تجارية فاعلة اقتصادياً وسياسياً في البلاد للحد من قوتها، لم يأت جديدها سوى على ذكر جهات إعلامية ومدنية وإدارية هذه المرة، بعدما وعد وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بفرض «أقسى عقوبات في التاريخ» على طهران. ولعل عبارة بومبيو تلك تفسر اهتمام واشنطن بتسليط الضوء على تفاصيل لم يسبق أن اعتنت بها جداول العقوبات السابقة، في مؤشر على جدية أميركية في المواجهة الجديدة. وأدرجت وزارة الخزانة الأميركية سجن إيفين على لائحة العقوبات، بدعوى أن السجناء السياسيين فيه يتعرضون «لاعتداءات جسدية وجنسية ويُعذّبون بالصدمات الكهربائية». كذلك، أُدرج مدير التلفزيون الرسمي الإيراني، عبد العلي علي عسكري، على لائحة العقوبات، لكونه مضطلعاً بـ«فرض رقابة على الكثير من وسائل الإعلام وبث اعترافات انتُزعت بالقوة من سجناء سياسيين». وشملت العقوبات أيضاً «جمعية هانيستا» كونها تُعدّ تطبيقاً يشبه تطبيق «تلغرام» للرسائل بهدف «تمكين النظام من مراقبة مستخدميه الأجانب والإيرانيين». كما قالت وزارة الخزانة إن العقوبات تشمل مجموعة تدعى «أنصار حزب الله» وهي بحسب الوزارة «منظمة مدعومة من النظام الذي يضطهد الشعب الإيراني»، وثلاثة مسؤولين فيها، بينهم شخص زعمت أنه مسؤول عن الهجوم على مقر القنصلية السعودية مطلع عام 2016. واتهمت السلطات الأميركية المنظمة المذكورة بالمسؤولية عن هجمات بالحمض ضد نساء في أصفهان عام 2014 وقمع تظاهرات طلابية.
اللافت أن الأحداث المشار إليها، لا سيما الهجوم على القنصلية السعودية، هي حوادث لم تتبنَّ أياً منها الحكومة الإيرانية، بل قامت بخطوات لمواجهتها، وأوقفت شباناً ضالعين فيها. لكن العقوبات الجديدة تحاول تكريس صورة «القمع والاستبداد» في إيران، وتشجيع الأصوات المعارضة لنظام طهران، وربط انعكاس العقوبات الاقتصادية على المواقف السياسية للنظام بما يولّد «نقمة» شعبية ضده. وتُعدّ الخطوة الأميركية بعيدة من استراتيجية واشنطن المعلنة لمواجهة الجمهورية الإسلامية، والتي تركز على البرنامجين النووي والصاروخي ونشاط الحرس الثوري والسياسة الخارجية.
ولعلّ سياسة التدرج في فرض العقوبات ترمي إلى تصعيد الضغط، واستعجال طهران للجلوس إلى طاولة التفاوض، ضمن محاولة للقول إن المواجهة يمكن أن تذهب أبعد من المطالب المحددة. لكن الرسالة الأميركية لا تزال تواجَه بآذان صماء في طهران، كما أكد مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، علي أكبر ولايتي، الذي شدد على أن بلاده ستحافظ على قدراتها الصاروخية والإقليمية «رغماً عن أنف أميركا». وفي كلمة له أمس، بدا ولايتي متشائماً إزاء أفق التفاوض مع الدول الأوروبية، لافتاً إلى أن المرشد الأعلى دعا في وقت سابق إلى «التوجه شرقاً» وإقامة «علاقات استراتيجية» مع الصين. وأشاد ولايتي بكل من روسيا والصين ووقوفهما إلى جانب بلاده، مشيراً إلى أن بكين تعاونت مع طهران في ذروة الحظر، ووصل حجم التبادل التجاري معها إلى 52 مليار دولار. ودعا ولايتي إلى تفعيل الصناعات النووية السلمية وتوسيعها، مقترحاً أن تشمل «تصنيع محركات نووية جبارة لاستخدامها في السفن والغواصات»، في إطار التصدي لانسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. وذكّر ولايتي بشروط خامنئي لمواصلة المفاوضات مع الأوروبيين، مشدداً على ضرورة أن تشمل ضمان شراء النفط وإزالة العقوبات المصرفية.