في «منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي» الذي انعقد الأسبوع الماضي، حضر وانغ تشيشان، وهو نائب الرئيس الصيني شي جين بينغ، ليمثّل بلاده. يُعرف عنه أنه الشخصية الدبلوماسية الأولى في البلاد، وواحدٌ من ركائز مبادرة «مكافحة الفساد» التي أقرّها شي جين بينغ خلال المؤتمر الـ19 الأخير للحزب الشيوعي الصيني. بعد انتهاء أعمال المنتدى، توجه وانغ إلى بيلاروسيا في زيارة رسمية تحمل معنى خاصاً في ضوء التوتر الحالي في العلاقات الصينية ـــ الأميركية. فوفق قراءات قدّمتها صحف صينية (تصدر بالانكليزية)، فإن بكين تسعى من خلال هذه الزيارة إلى تعزيز شراكتها الإستراتيجية مع روسيا، وتأمين نفسها ضد أخطار حرب تجارية مع الولايات المتحدة، في وقتٍ تترك الباب مفتوحاً للاتفاق مع واشنطن. وعلى رغم أن وانغ كان في السابق يشرف على المفاوضات الاقتصادية مع الولايات المتحدة، فإنه لم يتوجه إلى واشنطن في أول زيارة خارجية له بعد تعيينه بمنصبه الجديد، بل توجه إلى روسيا، وهذه خطوة لها «أهمية جيوسياسية»، وفق صحيفة «ساوث تشينا مورنينغ بوست» الصينية، التي عزت ذلك إلى نية بكين وموسكو في إقامة علاقات أوثق بينهما «من أجل مواجهة العدوانية التي يتبناها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الشؤون الدولية والتجارة، وانتهاك المعايير».الخبير في الشؤون الدولية الصينية بان تشونغ نينغ، يُذكّر بأنّ الرئيس الصيني كان بدوره قد توجه «في أول زيارة خارجية له بعد استلامه السلطة عام 2013، إلى روسيا»، مضيفاً أنّ زيارة وانغ تشيشان الحالية «تمثّل دليلاً على الأهمية الكبيرة التي يوليها الرئيس الصيني للعلاقات مع روسيا». ويلفت الخبير إلى أنّ وانغ «استغل الزيارة لتوضيح الموقف من كوريا الشمالية والصفقة النووية مع إيران والعلاقات مع الولايات المتحدة»، إلا أنّه يستدرك بالقول: «إنّ بعض المراقبين الصينيين يؤكدون ضرورة توخي الحذر في شأن تعزيز العلاقات مع موسكو، لأن هذا يقلق الدول الغربية».

«القلق غربي»
في إستراتيجية الأمن القومي الأميركي التي نُشرت نهاية العام الماضي، وُصفت الصين وروسيا بأنّهما «قوتان غريمتان... تسعيان للنيل من نفوذ وقيم وثروة أميركا»، وذلك على رغم إعلان الرغبة في إقامة «شراكات كبرى» معهما. أثار التقرير في حينه الكثير من ردود الفعل، وهي لا تزال مستمرة إلى اليوم. عن طبيعة هذه النقاشات الأميركية، فعلى سبيل المثال اعتبرت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة مادلين أولبرايت، في بداية الشهر الجاري، أنّ الصين تمثّل تهديداً أكبر للولايات المتحدة من روسيا، مضيفة أنّ المساواة بين الطرفين يمنح «هدية لبوتين»، بمعنى أنّه يعطيه مكاناً هو لم يصله، ما يعطيه «مبررات لاتخاذ مواقف عدوانية تجاه الغرب».
على رغم هذه النقاشات، فإنّ الخشية الأكبر هي في أن تؤثر قرارات ترامب الأخيرة، تحديداً تلك التي تشرع الأبواب لحرب تجارية مع حلفاء الضفة الثانية من المحيط الأطلسي، أي الأوروبيين، على طبيعة علاقات هؤلاء مع روسيا والصين، وقد ارتفع منسوب الخشية عقب قرار ترامب «الإيراني» الذي اتخذه قبل أقلّ من شهر.
«بدلاً من تقريب حلفاء أميركا الأوروبيين، يُقوّض ترامب بشدّة العلاقات العابرة للأطلسي، دافعاً بالحلفاء بعيداً جداً، ومُحدثاً بالتالي مساحة جديدة لبكين وموسكو لممارسة النفوذ»، يقول تقرير صدر قبل ثلاثة أيام عن الدورية الأميركية «ذي ناشونال انترست». لكن حتى الساعة لم تنعكس هذه الخشية إلى أمر واقع، إذ إنّ التحركات الأوروبية، بقيادة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لا تزال محصورة بحدود محاولة ممارسة ضغوط على إدارة ترامب، لا أكثر. ويُذكر أنّه خلال جلسة نقاش ضمن فعاليات «منتدى سان بطرسبورغ الاقتصادي الدولي»، حضرها بوتين وماكرون، قال الأخير بوضوح: لا يمكن التفكير بأمن أوروبا من دون الولايات المتحدة، وهو تصريح يُبقي كل النقاشات مفتوحة، وكل الاحتمالات واردة. (في الجلسة نفسها، على رغم ترحيب ماكرون بـ«الحوار المباشر جداً والصريح» مع بوتين، فإنّه لم يُخفِ أنّ مهمة «إعادة بناء الثقة» بين موسكو وأوروبا الغربية، صعبة، لأنّها تأتي بعد «25 عاماً من عدم الفهم»).

تعددت القراءات...
في جلسة نقاش أعدّها «مركز كارنيغي تسينغوا» الشهر الماضي، عقب الانتخابات الرئاسية الروسية وانتهاء المؤتمر الـ19 للحزب الشيوعي الصيني، حول آفاق العلاقات بين روسيا ـــ الصين ـــ الولايات المتحدة في المرحلة المقبلة، يقول الباحثون المشاركون إنّ «روسيا والصين سوف تحاولان اتباع استراتيجية لا تجلعهما يتواجهان أبداً، لكن من دون أن يكونا (متحالفين بالمعنى التقليدي)، ما يسمح لهما بتعقب مصالحهما وألا يجازفا بالروابط المتنامية بينهما».
هذه الخلاصة السياسية الباردة، تُقابلها وجهة نظر روسية تبدو أكثر تفاؤلاً، يُعبّر عنها مدير مركز أبحاث «كونجي» في موسكو، ديميتري تارنين، بالقول إنّ «روسيا والصين، من ناحية سياستهما العالمية، تعملان على تكريس مفهوم القطبية في مواجهة الهيمنة الأميركية، كما أنّ كلاً منهما تدعم الأخرى بصمت في محاولات حماية مناطق النفوذ. فعلى رغم نفي بوتين تدشين حلف جديد في الشرق، وقوله إنه يأتي ضمن تقارب عالمي تعمل عليه روسيا، إلا أن المعطيات والأرقام تشير إلى غير ذلك، إذ إنّ العلاقات التجارية بين روسيا والصين اللتين تطالبان بالحد من قوة الولايات المتحدة، تتعزز بسرعة وبشكل كبير». وجدير بالذكر أنّ الصين تعدُّ أكبر شريك تجاري واقتصادي لروسيا، وقد بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، في العام الماضي، قرابة 90 مليار دولار، ويسعى البلدان إلى زيادة حجم التبادل التجاري إلى 200 مليار دولار في السنة بحلول عام 2020.
بكين: نعمل في مواجهة مشهد عالمي آخذ في التغير وممتلئ بالشكوك


تختلف المقاربات لقراءة العلاقات بين هاتين الدولتين، لكن يبدو أنّ الثابت هو في أنّ «الحكومات، السياسيين، والإعلام، في العالم الغربي، يبدون غير قابلين لفهم التحركات الجيوسياسية حين تأتي من أطراف غير منتمية إليه»، وفق ما قاله الباحث في تاريخ العلاقات الاقتصادية الدولية ايمانويل فالرشتاين، في تعليقه عام 2014 على زيارة فلاديمير بوتين إلى الصين وتوقيع البلدين على صفقة غاز مدتها 30 عاماً. تعليق فالرشتاين لا يزال صائباً اليوم في ظلّ المسار التصاعدي للعلاقات الثنائية بين الدولتين الذي يعززه مشهد دولي يتصف باهتزاز أركان المنظومة الغربية بصورة غير مسبوقة منذ نهايات الحرب العالمية الثانية وتشكّل النظام الدولي الحالي.
على هذه الخلفية، أعلن وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أول من أمس، أنّ «زيارة الدولة» المقبلة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى الصين «تكتسب أهمية كبيرة للتخطيط لتطوير العلاقات الثنائية»، موضحاً عقب اجتماعه مع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، على هامش الاجتماع الرسمي لوزراء خارجية دول «بريكس» في جنوب أفريقيا، أنّ الزيارة ستتم بين 8 و10 حزيران الجاري وسيحضر خلالها بوتين «قمة تشينغداو» لمنظمة شانغهاي للتعاون. وأثناء محادثاته مع لافروف، قال وانغ يي، بكلام دبلوماسي مباشر: «في مواجهة مشهد عالمي آخذ في التغير وممتلئ بالشكوك، فإنّه يتعين على الصين وروسيا، كشريكين إستراتيجيين تجمعهما شراكة تنسيق شاملة، تعزيز التنسيق والتعاون من أجل دعم المبادئ الأساسية للعلاقات الدولية والحفاظ على العدالة الدولية وحماية المصالح العامة للأسواق الناشئة والدول النامية»، فيما أعلن لافروف أنّ بلاده «تتفق تماماً مع الصين في أفكارها في شأن الوضع الدولي الراهن ومستعدة لتعزيز التنسيق... وستبذل جهوداً مشتركة مع دول الأسواق الناشئة الأخرى، لمقاومة الأحادية والحمائية وللحفاظ على السلام والاستقرار العالميين».



«بريكس» تندد بحمائية ترامب
نددت، أمس، دول مجموعة بريكس الخمس (البرازيل، روسيا، الهند، الصين، جنوب أفريقيا) بالسياسة «الحمائية» التي تنتهجها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، واعتبرت أنّها «تنسف النمو العالمي»، وذلك إثر قرار واشنطن زيادة الرسوم الجمركية التي تستهدف في شكل خاص حلفاءها. وجاء في بيان صادر عن وزراء خارجية دول بريكس في اختتام اجتماع عقدوه في بريتوريا، أنهم «يشددون على تمسكهم الحازم بالتبادل الحر». وأعربوا في بيانهم الختامي عن «معارضتهم للموجة الجديدة من الحمائية والتأثير المنهجي للإجراءات الأحادية الجانب التي لا تتناسب مع قواعد منظمة التجارة العالمية، وتنسف التجارة الدولية والنمو الاقتصادي». كما شدد وزراء خارجية دول بريكس على «أهمية وجود اقتصاد عالمي منفتح وشامل، يتيح لكل الدول والشعوب التشارك في مكاسب العولمة».
(أ ف ب)