«سأستأنف الحوار مع الكوسوفيين لمحاولة حلّ مشاكلنا، على رغم أنني لا أثق بهم... ولكن ليس أمامنا خيار»، قال الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش، في 17 آذار الماضي. تصريح قد يكون الأبلغ لاختصار المشهد الصربي ـــ الكوسوفي الراهن، في ظل التصادم بين التصريحات الأوروبية «المتفائلة» والواقع على الأرض. قبل ذلك، كانت الأحاديث تدور عن «زيارة تاريخية» و«اتفاق تاريخي» و«اجتماع تاريخي»، وفق عبارات الاتحاد الأوروبي لوصف محادثات تطبيع العلاقات بين صربيا وكوسوفو.ما يقارب الـ17 اتفاقية بين بلغراد وبريشتينا، لا يزال معظمها مجرد حبر على ورق، وعشرات اللقاءات الثنائية التي خلصت إلى تكثيف «حوار» أخفق في ترويض النزعات القومية والعرقية، بل على العكس قام بتغذيتها من أجل تحقيق مكاسب أكبر على طاولة المفاوضات. اليوم، وصلت المفاوضات إلى «المرحلة النهائية»، وفق الرئيس الكوسوفي هاشم تاجي، الذي أكّد في شباط الماضي، في ذكرى مرور عشر سنوات على إعلان كوسوفو الاستقلال عن صربيا، أنّ عام 2018 هو عام «الاتفاق التاريخي».
مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، توقعت من جهتها في شهر شباط أيضاً، أن تكون «النهاية السعيدة» في 2019، معربةً عن «تفاؤل» لم يُسمع صداه في تصريحات بلغراد الذي أكّد وزير خارجيتها إيفيكا داسيتش، في الشهر نفسه، أن «الاعتراف باستقلال كوسوفو ما زال بعيداً»، متباهياً بنجاح بلاده في عرقلة محاولات بريشتينا الانضمام إلى المؤسسات الدولية. «تفاؤل» لم يُترجم على الأرض وفي العلاقات الثنائية بين الدولتين على كل الأصعدة (الاقتصادية، الثقافية، الرياضية، إلخ).

بريشتينا تتهم الأوروبيين
للمرة الأولى منذ إعلان كوسوفو استقلالها من جانب واحد، انتشر الجيش الصربي، الأسبوع الماضي، بالقرب من المعابر الحدودية مع كوسوفو، وفق ما نشرت أكبر صحيفة الكترونية في كوسوفو، «غازيتا إكسبرس». جاء ذلك عقب انتشار تقارير صحافية في بلغراد تُدين الاعتداءات المتكررة التي يتعرض لها الصرب في كوسوفو، والتي ازدادت وتيرتها في الأسابيع القليلة الماضية.
بعيداً عن الإعلام الغربي المنهمك بالترويج لـ«إنجاز أوروبي» مرتقب بين كوسوفو وصربيا من شأنه «أن يضع حدّاً للنفوذ الروسي في تلك المنطقة»، فإنّ هذا التطور الخطير ليس مفاجئاً، بل متوقعاً. ففي 31 الشهر الماضي، كشفت «شبكة التحقيقات الاستقصائية للبلقان» (BIRN) أنّ بريشتينا «لن تشارك في أي محادثات تطبيع قبل أن تنفذ صربيا ست اتفاقات» معلقة بين البلدين. جاء ذلك في رسالة إلكترونية أرسلها كبير مفاوضي كوسوفو في عملية التطبيع أفني عريفي، إلى الخارجية الأوروبية في 25 الشهر الماضي، رداً على دعوة وُجّهت له لحضور اجتماعين سيعقدان في 7 و8 حزيران (اليوم وغداً) في بروكسيل.
من جهتها، ترفض صربيا التطرق إلى أي ملف قبل أن تفي بريشتينا بوعودها، لا سيما تلك المتعلقة بإنشاء «رابطة المجتمعات الصربية» في كوسوفو. «كوسوفو لا ترقى إلى الاتفاقة التي وقعتها. يزعمون أن الرابطة تتعارض مع دستورهم، وبالتالي يجب أن يناقش الطرفان ملفات أخرى بدلاً من ذلك»، يقول الكاتب والمخرج الصربي بوريس مالاغورسكي في حديث إلى «الأخبار»، مستدركاً بأنّ كوسوفو «لا تستطيع أن تفاوض بملف الرابطة لأنّها سبق ووافقت على إنشائها». جدير بالذكر أنّ هذه الرابطة تُعدُّ أحد البنود الأساسية في مفاوضات التطبيع، وتهدف إلى تمثيل مصالح الأقلية الصربية في كوسوفو.
بالعودة إلى رسالة عريفي، فإنّه يتهم الاتحاد الأوروبي بـ«العمل خدمةً للمصالح الصربية»، مضيفاً في ردّه على الدعوة: «خلال الشهور القليلة الماضية، طلبنا مساعدتكم مراراً وتكراراً من أجل تسهيل تنفيذ الاتفاقات المعلقة، ولكنكم تجاهلتم مطالباتنا المستمرة... لا سيما في ما يخص اتفاقية الطاقة التي تحتاج إلى ساعتين فقط لحلها، لا أكثر». كما انتقد «صمت» الاتحاد الأوروبي إزاء «الطريقة التي تُعامل من خلالها صربيا الفرق الرياضية الكوسوفية»، والتي تم منعها من المشاركة في المنافسات الدولية.

الاستفزازات سيّدة الموقف
خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، واجهت العلاقات بين صربيا وكوسوفو عدداً من الانتكاسات التي عرّت حالة انعدام الثقة المهددة بالعودة إلى زمن التقاتل.
في 16 كانون الثاني الماضي، بينما كان ممثلو صربيا وكوسوفو يستعدون لعقد اجتماع لإعادة تحريك قطار المفاوضات، قُتل زعيم الأقلية الصربية في كوسوفو أوليفر إيفانوفيتش، إثر تعرضه لإطلاق نار أمام مكتب حزبه في مدينة ميتروفيتشا، ما أدى إلى إلغاء المحادثات قبيل ساعات قليلة من موعد انعقادها. الجريمة التي وصفتها بلغراد بـ«الإرهابية» أدّت إلى تعليق موقت للمفاوضات، لكنّها سرعان ما استؤنفت بعد وساطات دولية دعت إلى «التهدئة والعقلانية»، لينعقد في 23 آذار اجتماع بين الرئيس الكوسوفي ونظيره الصربي بحضور موغيريني.
إلا أنّ الديبلوماسية الأوروبية لم تنجح في كبح جماح الاستفزازات الكوسوفية ـــ الصربية، إذ قامت بلغراد في اليوم نفسه بإلغاء مباراة كرة اليد للسيدات، كانت ستُمثّل أول مواجهة رياضية رسمية بين صربيا وكوسوفو منذ إعلان الاستقلال، وذلك لدواع «أمنية». بعد 3 أيام، أوقفت كوسوفو منسق مكتب الحكومة الصربية ماركو ديوريتش، لدخوله شمال ميتروفيتشا للمشاركة في ملتقى صربي، من دون موافقة رسمية، وقامت بترحيله من البلاد. وميتروفيتشا هي مدينة في شمال كوسوفو تم تقسيمها بين الغالبية الألبانية في الجنوب والغالبية الصربية في الشمال.
خلال مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس الصربي، قال ديوريتش إنه تعرّض للضرب في كوسوفو، محذراً من أنّ «أحدهم يحاول عرقلة المفاوضات، وإغلاق جميع الطرق المؤدية إلى المصالحة». في هذا السياق، يوضح مالاغورسكي وجهة نظر صربية تقول: «أولاً وقبل كل شيء، من المهم أن نفهم أنّ كوسوفو ليست لديها سياسة خارجية مستقلة... سياستها الخارجية تحددها واشنطن، وقد اعترف بذلك رئيس وزراء كوسوفو راموش هاراديناج في مقابلة مع الصحافي الصربي ميلومير ماريك»، مضيفاً أنّ «رفض بريشتينا المشاركة (في مفاوضات بروكسيل) غداً، هي رسالة أميركية لصربيا وللدول التي تدعمها»، في إشارة إلى روسيا تحديداً.
على هذه الخلفية، يبقى مستقبل العلاقات الثنائية بين هاتين الدولتين غير واضح حتى الآن. في الأثناء، لم تتوقف حملة الاستفزازات المتبادلة، إذ كان اتحاد كرة القدم في كوسوفو قد رفض في 7 أيار الماضي السماح لنادي كرة القدم الصربي «ريد ستار» بلعب مباراة في بريتشينا، في حين قامت بلغراد بعد يومين بمنع فريق كوسوفو للكاراتيه من دخول صربيا، ما حرمه من المشاركة في بطولة الكاراتيه الأوروبية.
بوريس مالاغورسكي يعتبر أنّ «واشنطن تدفع بلغراد نحو الانسحاب من المفاوضات بغية إظهار كوسوفو على أنّها الضحية». لكنّه رأي يقابله رأي آخر يرى أن بلغراد تماطل لأن لا مصلحة لها في الاعتراف باستقلال كوسوفو، حتى ولو جاء ذلك على حساب الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.