بالكاد كان الرئيس السابق باراك أوباما ضدّ إسرائيل. فقد وفّرت إدارته لها دعماً عسكريّاً واستخباريّاً هائلاً. إضافة إلى ذلك، حمى أوباما بنيامين نتنياهو في مجلس الأمن الدولي، حينما استخدم في 2011 الفيتو... منعاً لاتخاذ قرار يدين بناء المستوطنات اليهوديّة. كما عارض أوباما الجهود الفلسطينيّة للانضمام إلى المحكمة الجنائيّة الدوليّة، وذلك بعدما صاح بنيامين نتنياهو في الهاتف خلال محادثة مع أحد مستشاري الرئيس قائلاً: «هذا بمثابة رأس نوويّ موجّه إليّ!» (يشكّك مكتب نتنياهو بهذه الصيغة الأميركيّة للمحادثة). مع الوقت، صار أوباما ومستشاروه مقتنعين بأنّ نتنياهو يتلاعب بهم... وبحلول ولاية أوباما الثانية، لم يعد مساعدوه يهتمون بإخفاء خيبتهم في الإسرائيليّين. فقد أخبرني بنجامين رودس، وهو أحد مستشاري السياسة الخارجيّة المقربين من أوباما، «إنّهم لم يكونوا قطّ صريحين في التزامهم بالسلام، لقد استخدمونا كغطاء للإيهام بأنهم منخرطون في مسار سلام، لقد كانوا يناورون ويربحون الوقت، كانوا ينتظرون ذهاب الإدارة».كان لدى الإسرائيليّين تخوّف وحيد: خشوا من أن تحاول إدارة أوباما معاقبتهم في مجلس الأمن قبل مغادرتها. التقطت وكالات التجسّس الإسرائيليّة نقاشات حول قرارات محتملة لمجلس الأمن، تراوحت بين إدانة المستوطنات وإجراء يُكرّس ما يُعرف في القانون الدوليّ بمعايير «الوضع النهائيّ»، ما يُثبّت موقف أوباما من حلّ الدولتين. ويقول مسؤولون إسرائيليّون إنّ التقارير الاستخباريّة التي قُدّمت إلى نتنياهو تُظهر أنّ أوباما وفريقه كانوا ينسّقون سرّاً قرارات الأمم المتحدة، وهي تُهمة نفاها الأميركيّون لاحقاً.
... كانت للإسرائيليّين روابط سابقة مع عائلة ترامب: جمعت علاقة صداقة طويلة بين نتنياهو وشارلز كوشنر، والد جارد كوشنر، زوج إيفانكا ترامب. في الأعوام الأخيرة، قام آل كوشنر، وهم يهود أرثوذكسيّون جمعوا ثروتهم في تجارة العقارات ويحملون آراء محافظة حول إسرائيل، بتقديم تبرعات كبيرة لمصلحة القضايا والجمعيات الخيريّة الإسرائيليّة، منها مئات آلاف الدولارات ذهبت إلى مدرسة دينيّة في مستوطنة «بيت إيل» الواقعة في الضفّة الغربيّة. وعندما كان نتنياهو يزور آل كوشنر في منزلهم بنيوجيرسي، كان يقضي أحياناً الليلة في غرفة جارد الذي يتحوّل ليقضي ليلته في القبو.
يمكن تتبّع العلاقات السريّة بين إسرائيل والإمارات إلى سلسلة لقاءات في واشنطن


عندما أزيح أوباما أخيراً عن الطريق، صار بإمكان نتنياهو التركيز على إقناع فريق ترامب بتبني استراتيجيّته الكبرى لتحويل مسار السياسة الشرق أوسطيّة. كان مطمحه الجامع صرف انتباه العالم عن القضيّة الفلسطينيّة وتشكيل تحالف السعوديّة والإمارات لمحاربة إيران التي تساند منذ مدّة طويلة حزب الله في لبنان وحماس في غزة، وحصّلت منفعة استراتيجيّة من الحماقة الأميركيّة في العراق والحرب في سوريا.
في يوم تنصيب ترامب... قال أحد السفراء الأوروبيّين إلى سيرجي كيسلياك (السفير الروسي في واشنطن)، «أنت أهم سفير اليوم!»، ابتسم كيسلياك وأشار في اتجاه رون ديرمر (السفير الإسرائيليّ) قائلاً: «في الواقع، هو أهمّ سفير هنا اليوم». كان يوجد سفير شرق أوسطيّ آخر له نفاذ استثنائيّ إلى فريق الرئيس الجديد: يوسف العتيبة، سفير الإمارات. تعرّف العتيبة إلى كوشنر خلال الحملة عن طريق توماس براق، وهو ملياردير لبنانيّ ــ أميركيّ كان يجمع التبرعات لمصلحة ترامب وجمعته صداقة مع والد العتيبة.
اعتقد محمد بن زايد أنّه يوجد لدى دول الخليج وإسرائيل عدوّ مشترك: إيران. وعلى غرار نتنياهو، اعتبر أنّ إيران تمثّل التهديد الأكبر لبلده.
يمكن تتبّع العلاقات السريّة بين إسرائيل والإمارات إلى سلسلة لقاءات في مكتب غير مُحدّد في واشنطن، وذلك بعد توقيع اتفاقات أوسلو. خلال فترة مبكّرة من ولاية بيل كلينتون الأولى، أرادت الإمارات شراء طائرات «أف 16»... لكن خشي مسؤولون أميركيّون وإماراتيّون من احتجاج إسرائيل. عندما سُئل جيرمي ايساكاروف، وهو دبلوماسيّ إسرائيليّ يعمل في سفارة واشنطن، إنْ كانت لبلاده اعتراضات على الصفقة المُقترحة، كان رأيه ملتبساً، وفقاً لما علمتُه من مسؤولين أميركيّين سابقين. حيث قال إلى نظرائه الأميركيّين إنّ الإسرائيليّين يريدون فرصة لنقاش المسألة مباشرة مع الإماراتيّين، حتى يتحققوا من غرض استعمالهم للطائرة الأميركيّة.
وكجزء من عملها مع الإمارات، وفّرت شركة ساندرا تشارلز مساعدة لجمال سند السويدي، وهو أكاديميّ إماراتيّ أسّس في 1994 مركز أبحاث في أبو ظبي مدعوم من الحكومة ويحمل اسم «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجيّة». تأسس المركز «لأغراض البحث العلميّ والدراسات في المسائل الاجتماعيّة والاقتصاديّة والسياسيّة»، لكنّه صار قناةً للتواصل مع إسرائيل. لاحقاً، أخبر رئيس الوزراء إسحاق رابين الإدارة الأميركيّة بأنّه لن يعارض صفقة الـ«أف 16». وقال مسؤولون أميركيّون سابقون إنّ القرار الإسرائيليّ كان مؤسساً على شعور متبادل بالثقة بين إسرائيل والإمارات.
بمباركة من محمد بن زايد، بدأ السويدي في استقدام وفود مشكلة من يهود أميركيّين نافذين إلى أبو ظبي للقاء مسؤولين إماراتيّين. ويتذكّر مسؤول أميركيّ سابق قول زعيم إماراتيّ بارز في إحدى الجلسات الأولى، التي عقدت قبل أكثر من عقدين، أمراً صدم القادة اليهود الحاضرين في القاعة: «يمكنني تخيّل وجودنا في الخنادق مع إسرائيل ونحن نحارب إيران». افترض الحاضرون أنّه يقول لهم ما أرادوا سماعه، لكنّ المسؤول الأميركيّ قال إنّ المسألة بالنسبة للزعماء الإماراتيّين مثل محمد بن زايد أشبه «بالقول القديم: عدوّ عدوّي صديقي».
بمجرّد تنصيب أوباما في 2009، وحّدت الحكومتان الإسرائيليّة والإماراتيّة جهودهما للمرّة الأولى للضغط على الإدارة الجديدة من أجل التعامل بجديّة مع التهديد الإيرانيّ. حيث طلب العتيبة وسالاي مريدور، الذي كان السفير الإسرائيليّ في الولايات المتحدة، من دينيس روس، مستشار الشرق الأوسط، مقابلتهما في نزل جورج تاون، حيث قدما له نداءهما المشترك. ووفقاً لمسؤول أميركيّ سابق، أظهر اللقاء «مستوى تعاون حقيقيّ وعمليّ» يتجاوز بكثير تقاسم المعطيات الاستخباريّة. وقال لي مسؤول عربيّ رفيع: «كان الغرض جلب اهتمامهم. إذا جلسنا سويّاً، وأبلغناهم الأمر نفسه، فإنّهم سيتعاملون معه جديّاً». فاجأ الجهد المشترك مستشاري أوباما، لكنّه لم يثن الرئيس عن مواصلة المفاوضات مع طهران.
وخلال التراجع الموقت في العلاقة الاستخباريّة السريّة (بسبب عمليّة الموساد في دبيّ عام 2010)، قدّمت الإمارات مقترحاً لتصحيح الأوضاع: توفّر بمقتضاه إسرائيل طائرات مسيّرة مسلّحة لمصلحة الجيش الإماراتيّ، وفق ما قاله مسؤولون عرب وأميركيّون. عارض الإسرائيليّون الفكرة، خشية إثارة عداوة مع إدارة أوباما التي رفضت بيع مثل تلك الطائرات إلى الإمارات.
حاول جون كيري، الذي خلف هيلاري كلينتون في وزارة الخارجيّة، إحياء محادثات السلام بين إسرائيل والفلسطينيّين، لكن عندما انهارت المفاوضات في 2014، طلب نتنياهو من إسحق مولخو، أحد مستشاريه الأكثر ثقة، التركيز على تعزيز العلاقات السياسيّة مع الدول العربيّة. أراد نتنياهو نقل العلاقات مع الإمارات والسعوديّة أبعد من القنوات السريّة.
توفي الملك عبد الله بن عبد العزيز في كانون الثاني 2015، في سنّ التسعين، ما مهّد الطريق أمام قادة سعوديّين آخرين، من بينهم محمد بن سلمان البالغ من العمر 29 عاماً، والذي صار لاحقاً وليّ العهد. وكما هو معلوم، يتشارك ابن سلمان نفس آراء محمد بن زايد حول إيران، ومقاربة أقلّ أيديولوجيّة تجاه الدولة اليهوديّة. خلال لقاءات مع مسؤولين أميركيّين في الرياض وواشنطن، لاحظ ابن سلمان على نحو متكرّر أنّ «إسرائيل لم تهاجمنا قطّ»، وأنّه «لدينا عدوّ مشترك»، كما أنّه قال سرّاً إنّه مستعد لربط علاقات كاملة مع إسرائيل. وعلى غرار بن زايد، عبّر ابن سلمان خلال محادثات مع مسؤولين أميركيّين ومجموعات يهوديّة أميركيّة عن ازدرائه للقيادة الفلسطينيّة. وبدا هو أيضاً متلهفاً لإنهاء الصراع، حتى لو لم يرض الفلسطينيّون بالشروط.
على امتداد سنوات، كان المسؤولون الأميركيّون متشككين في المزاعم الإسرائيليّة حول القدرة على توسيع الروابط مع دول الخليج. لكن، مع نهاية ولاية أوباما الثانية، علمت وكالات الاستخبارات الأميركيّة بوجود اتصالات هاتفيّة بين مسؤولين إماراتيّين وإسرائيليّين رفيعين، من بينها مهاتفات بين زعيم إماراتيّ بارز ونتنياهو. ثمّ رصدت وكالة الاستخبارات الأميركيّة اجتماعاً سريّاً بين قادة إماراتيّين وإسرائيليّين في قبرص، وراودت المسؤولين الأميركيّين شكوك حول حضور نتنياهو الاجتماع الذي تركّز حول صدّ صفقة أوباما النوويّة مع إيران. لم يبلغ الطرفان إدارة أوباما بنقاشاتهما، وقال لي مسؤول سابق في وزارة الخارجيّة إنّهما «لم يقولا الحقيقة»، مضيفاً: «يوجد فرق بين التخفّي عن العموم، وبين التخفّي عن الولايات المتحدة، التي يُفترض أنّها أقرب حليف لكليهما». ولم يؤكد ديرمر ولا العتيبة حدوث ذلك الاجتماع.
قابل نتنياهو هيلاري كلينتون أيضاً، فقد أراد أن يبيع الرئيس المقبل، بصرف النظر عمن يكون، ما رأى أنّها فرصة تاريخيّة لتشكيل تحالف مضاد لإيران. وقال أحد مساعدي كلينتون إنّ نتنياهو وضع خطّة تدعو الدول العربيّة للقيام بخطوات في اتجاه الاعتراف بإسرائيل، في مقابل تحسين حياة الفلسطينيّين. لاحقاً، وبعد سلسلة صفقات لبناء الثقة، تضغط الدول العربيّة على الفلسطينيّين لقبول صفقة كاملة مع الإسرائيليّين، وهي على الأرجح صفقة أقلّ فائدة للفلسطينيّين مما رفضوه في المفاوضات السابقة.
بحلول أيار 2017، عندما قابل ترامب الزعماء العرب في الرياض، اتفق كوشنر ومحمد بن سلمان على الخطوط العريضة لما سمياه «تحالف الشرق الأوسط الإستراتيجيّ». ستبقى إسرائيل حاليّاً «شريكاً صامتاً»، وستتشدّد الولايات المتحدة مع إيران، ووعدت دول الخليج بإقناع الفلسطينيّين بالبرنامج الجديد. شرح ابن سلمان لزائر أميركيّ طريقة تقسيم العمل: «سنُنجح الصفقة، سأتولى أمر الفلسطينيّين، وهو (ترامب) سيتولى أمر الإسرائيليّين».
قال نتنياهو في حوار مع «فوكس نيوز» في منتصف أيار إنّ «إيران في صراع معنا، وهي في صراع مع الولايات المتحدة، وكذلك في صراع مع جميع الدول العربيّة في الشرق الأوسط تقريباً»، مضيفاً: «أظنّ أنّه علينا التوحّد تحت قيادة الرئيس ترامب لطرد إيران من سوريا». وردد مايك بومبيو مطالب نتنياهو في أوّل خطاب كبير كوزير خارجيّة، واقترح أنّه على الشعب الإيرانيّ «نبذ حكومة رجال الدين في طهران».
ينوي كوشنر إعلان خطّة السلام في الشرق الأوسط خلال الأشهر المقبلة، ورسالته إلى الفلسطينيّين هي: «إذا أردتم العمل معنا، سنعمل معكم. إذا رفضتم ذلك، فلن نسعى وراءكم».
يفترض نتنياهو أنّ محمود عباس، الذي منّى نفسه على امتداد عقود بالوصول إلى حلّ نهائيّ ودولة كاملة الصلاحيّات، سيرفض مخطّط كوشنر التحسينيّ. وسيضع ذلك عبئاً على محمد بن زايد ومحمد بن سلمان والقادة العرب الآخرين للاختيار بين اتباع مسلك عباس أو اتخاذ مسار مختلف. ويأمل نتنياهو بأن يرفض القادة الخليجيّون العرض الأميركيّ الجديد، وأن يختاروا بدل ذلك تعميق التعاون ضدّ إيران والأعداء الآخرين. عند اقتراب نهاية ولاية إدارة أوباما، قال أحد كبار مساعدي عباس إلى مسؤول أميركيّ إنّ «أسوأ كوابيسنا» سيتحقّق إن وجد نتنياهو طريقة لفصل دول الخليج عن الفلسطينيّين، وقال لي مسؤول أميركيّ سابق: «أزهى أحلام نتنياهو، وأسوأ كوابيس عباس، يمكن أن يصير حقيقة».
أخيراً، توسّع التعاون بين إسرائيل ودول الخليج إلى شبه جزيرة سيناء، حيث نشر محمد بن زايد قوات إماراتيّة لتدريب ومساعدة قوات السيسي التي تحارب المتشددين بمساعدة الطيران والاستخبارات الإسرائيليّة. وقد قامت القوات الإماراتيّة في بعض الأحيان بتنفيذ مهات مضادّة للإرهاب في سيناء. وعلى رغم أنّ نتنياهو يريد جعل هذه العلاقات أكثر علانيّة، إلاّ أنّه لا يريد تعريض ابن زايد وابن سلمان للخطر، ففي نهاية المطاف يأمل الرجل في أن يأخذ الزعيمان خطوات للاعتراف بإسرائيل، وهي لحظة سيشمئز الفلسطينيّون من رؤيتها، بخاصّة في وضعيّتهم الحاليّة.
يبدو الفلسطينيّون الخاسرون المحتملون في الشرق الأوسط الجديد. وقال مسؤول عربيّ رفيع إنّ التحالف الاستراتيجيّ «سيتحقّق، بوجود خطّة سلام أو من دونها». وقال أحد كبار مستشاري ترامب: «إيران هي سبب حدوث كلّ هذا».

*آدم أنتوس، مجلة «ذي نيويوركر» (ترجمة المقالة مختصرة)