انتهت زيارة الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، إلى الصين. هذه الزيارة التي استمرت يومين، وجهت رسالة واضحة للعالم، مفادها بأن كوريا الشمالية لن تهمل المصالح الصينية، حتى في حالة شهر عسل دبلوماسي مع الرئيس الأميركي، وهي سياسة توازن للزعيم الثلاثينيّ الذي يطمح إلى تطوير علاقات هادئة مع الولايات المتحدة، والحفاظ في آن، على علاقاته التاريخية مع الصين، الشريك الأول بلا منازع على الصعيدين الاقتصادي والدبلوماسي.وعلى غرار واشنطن، تأمل بكين في أن تصبح شبه الجزيرة الكورية منطقة خالية من السلاح النووي، لكن الصين تتخوف من أن يحصل التقارب الأميركي ــ الكوري الشمالي على حسابها. إذ إن من شأن هذا السيناريو أن يهدد مصالحها الاقتصادية والأمنية في المنطقة. يُذكر أن التحالف الصيني ــ الكوري الشمالي قائم منذ أن حارب البلدان جنباً الى جنب خلال الحرب الكورية (1950ــ 1953). لكن تطبيق الصين عقوبات الأمم المتحدة الرامية إلى إقناع بيونغ يانغ بالتخلي عن برنامجها النووي، كان قد أدى إلى بعض التوتر في العلاقات.
وكان كيم جونغ أون زار بكين في أول رحلة له إلى الخارج منذ وصوله إلى الحكم، في آواخر آذار الماضي، وثم قام بزيارة ثانية في أيار إلى مدينة داليان الشهيرة بمرفأها في شمال شرقي الصين، لتكون زيارة أول من أمس، هي الثالثة من نوعها، إذ أشاد الرئيس الصيني، شي جين بينغ، بـ«التاريخ الجديد» الذي يكتب في صفحات العلاقات الثنائية، وفق ما أوردت «وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية» (شينخوا). وقال الرئيس الصيني إنه «بفضل جهود الصين وكوريا الشمالية وكافة الأطراف المعنية ستشهد شبه الجزيرة الكورية وشمال شرقي آسيا بالتأكيد آفاقاً مضيئة للسلام والاستقرار والتنمية والازدهار»، داعياً من جانبه كوريا الشمالية والولايات المتحدة إلى «تكريس» الاتفاق الذي تم التوصل إليه في سنغافورة، مؤكداً أن الصين ستستمر في الاضطلاع بـ«دور بنّاء» في الملف النووي.
من جهته، أشاد كيم بـ«العلاقات الثنائية القريبة والودية، وهي كالعلاقات بين أفراد الأسرة الواحدة»، وفق «شينخوا». وخلال لقائه الأول أول من أمس، مع شي، عبّر كيم عن «تصميمه ورغبته في مزيد من تطوير علاقات الصداقة والوحدة والتعاون»، متطرقاً إلى «إمكانية تجريد شبه الجزيرة الكورية من السلاح النووي»، وفق «وكالة الأنباء الكورية الشمالية».
تبعث الزيارة رسالة مفادها بأن كوريا الشمالية لن تهمل المصالح الصينية


ما ميّز في الشكل هذه الزيارة هو الإعلان عنها خلال حدوثها على عكس ما حصل في اللقاءين السابقين، إذ كان قد أُعلن عنهما بعد عودة كيم إلى بيونغ يانغ. وعن هذا التطوّر، نقلت شبكة «سي أن أن» عن المساعد السابق في وزارة الخارجيّة لشؤون شرق آسيا والهادئ إيفانز ريفير، قوله إن «كيم يحاول تطبيع الطريقة التي يراه المجتمع الدوليّ من خلالها»، مضيفاً أنه «من المؤكد تقريباً أنّ الصين مسرورة جداً بواقع أنّ الولايات المتّحدة وكوريا الجنوبيّة توافقتا على تعليق تدريبات عسكريّة كبيرة، وهذا هدف لطالما طالبت به الصين كما أوضح».
يُذكر أنه خلال العام الماضي، شارك حوالى 17500 جندي أميركي وأكثر من خمسين ألف جندي كوري جنوبي في مناورات «أولتشي فريدوم غارديان»، علماً أن تركيز هذه المناورات ينصب على المعلوماتية أكثر من العمليات الميدانية. وقد عبّرت الصين عن سرورها بتعليق التدريبات المشتركة بين واشنطن وسيول.
من جهته، رأى الباحث في المعهد الآسيوي للدراسات السياسية في سيول، شين بوم شيول، أن شي وكيم توصلا بالتأكيد إلى «أرضية توافق» بعد قمة سنغافورة. ونقلت وكالة «فرانس برس» عن شين قوله إن «كوريا الشمالية ورقة مهمة للصين في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة، فيما تلوح في الأفق حرب تجارية محتملة بين بكين وواشنطن».
يُذكر أن كيم زار أمس في بكين مركز ابتكار تابع للأكاديمية الصينية للعلوم الزراعية، إضافة إلى مركز تحكم بمترو العاصمة الصينية. وهو ما يؤشر إلى أن كوريا الشمالية قد تستلهم من النجاحات العلمية والاقتصادية للصين، خصوصاً أن مسؤولين كوريين شماليين توجهوا في المرحلة الأخيرة إلى الصين للاطلاع على إصلاحاتها الاقتصادية التي بدأتها قبل أربعين عاماً. وهنا، ذكرت «شينخوا» أن الرئيس الصيني كان قد قال لنظيره الكوري الشمالي: «يسعدنا أن (كوريا الشمالية) قد اتخذت القرار الكبير بالتركيز على بناء اقتصادها».