خلافاً لعادتها، وفي سابقة من نوعها تكاد تكون الأولى، أحيت بيونغ يانغ، اليوم، ذكرى اندلاع الحرب الكورية وسط غياب ملفت لانتقاداتها المتكررة في كل عام للولايات المتحدة في تغطية وسائل الإعلام الرسمية، في غضون أقل من أسبوعين على قمة سنغافورة.وفي الذكرى الـ65 لانتهاء الحرب الكورية (بهدنة وليس معاهدة سلام)، التي اندلعت في عام 1950 ووضعت أوزارها في عام 1953، أحجمت كوريا الشمالية، في صُحفها، عن انتقاد الولايات المتحدة، وعلى رأسها صحيفة «رودونغ سينمون» الناطقة باسم «حزب العمال» الحاكم. فالأخيرة اعتادت بين سطور تعليقاتها في مثل هذا اليوم من كل عام، على نشر المقالات الناقدة لواشنطن، ووصفها بـ«العدو القوي» أو «الإمبراطورية الأميركية»، كما دعت مراراً لتدميرها. لكن الصحيفة اكتفت هذا العام بإظهار مغزى الحرب الكورية ودور جيش البلاد فيها، إضافةً إلى ما وصفته بـ«تجارب ناجحة» للمواطنين الكوريين الشماليين في تلك الحرب. وجاء في أحد تقاريرها: «في هذا اليوم من كل عام، يستعيد جيشنا وشعبنا شريط الذكريات المليء بالعزيمة على الدفاع عن أمتنا»، مضيفةً: «ما فاجأ العالم بشكل أكبر كان (...) وقوف شعبنا يداً واحدة لإبادة العدو»، الذي لم تأت على تسميته في أيّ من تقاريرها الأخرى. علماً أن «رودونغ» كانت قد نشرت في الـ25 من حزيران/ يونيو الماضي، مقالاً افتتاحياً بعنوان «لندمر بكل حزم مؤامرة استفزازية أميركية هادفة لغزو كوريا الشمالية»، وآخر بعنوان «لا يمكن أن نخمد اليوم الكراهية والغضب من عدونا اللدود الإمبراطورية الأميركية، ودمنا يغلي من شدة الرغبة في الانتقام».
إذاً، يشكّل عام 2018 استثناء في إطار ما يبدو أنه محاولة للمحافظة على الزخم الدبلوماسي الذي أطلقته المصافحة التاريخية بين زعيم كوريا الشمالية والرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ إذ عادةً ما تعجّ وسائل الإعلام الكورية الشمالية الرسمية بالمصطلحات المعادية للولايات المتحدة في 25 حزيران/ يونيو من كل عام.
خلال احتفال أقيم، اليوم، في سيول بمناسبة الذكرى الـ68 لاندلاع الحرب (أ ف ب )

القمة مفتاح التهدئة
يرى محلّلون أن التغييرات الطارئة في لهجة الإعلام الكوري الشمالي، جاءت نتيجةً للتهدئة المسجّلة بين البلدين، عقب القمة التاريخية التي عقدت بين ترامب ونظيره الشمالي كيم جونغ أون في سنغافورة أخيراً. كما أن الغياب النادر لانتقاد الولايات المتحدة هذا العام، قد يكون جزءاً من جهود النظام الكوري الشمالي للمحافظة على الزخم الدبلوماسي الحالي، المتّقد منذ القمة.
من جانبٍ آخر، رأى الباحث في الشأن الكوري الشمالي في جامعة «سيول» الوطنية، بيتر وارد، أن «الأمر ملفت»، مضيفاً: «قد يكون لمعاداة الولايات المتحدة جذور شعبية متأصّلة في كوريا الشمالية (غذّتها عقود من الدعاية)، لكن ما نراه هو ما تريد الدولة منّا أن نراه». يشار في هذا الإطار إلى أن مظاهر الدعاية المعادية للولايات المتحدة بدأت تختفي أخيراً من شوارع بيونغ يانغ، في وقتٍ تم استبدال صور عمليات إطلاق الصواريخ والتشكيلات العسكرية التي كانت في موقع بارز خارج محطة قطارات المدينة، بصور تُظهر الإنجازات الصناعية والزراعية في البلاد.

تفاؤل أميركي بقرب تسلّم رفات الجنود المفقودين
خلال الحرب الكورية التي انتهت بهدنة وليس بمعاهدة سلام، قُتل أكثر من 35 ألف جندي أميركي. ومن بين هؤلاء لا يزال 7700 منهم في عداد المفقودين، بينهم 5300 في كوريا الشمالية، بحسب البنتاغون. وكانت واشنطن وبيونغ يانغ أبرمتا اتفاقاً سابقاً استعادت بموجبه واشنطن، بين عامي 1990 و2005، رفات 229 جندياً أميركياً، لكنّ مفاعيل هذا الاتفاق جُمّدت إثر تدهور العلاقات بين البلدين.
يوم أمس، أبدى وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، تفاؤله حيال إمكان أن تتسلّم بلاده قريباً من بيونغ يانغ رفات الجنود الأميركيين، بعدما تعهّد الزعيم الكوري الشمالي بذلك خلال القمة التاريخية.
وبحسب البند الرابع من اتفاق سنغافورة الذي وقعه الطرفان، فإن «الولايات المتحدة وجمهورية كوريا الشعبية الديموقراطية تتعهدان العثور على رفات أسرى الحرب الذين فقدوا في المعارك، وإعادة الذين حددت هوياتهم منهم إلى بلدهم في الحال».
الجدير ذكره أن عملية إعادة الرفات تعدّ جزءاً من اتفاقية 12 حزيران/ يونيو، والتي تتضمن أيضاً إقامة علاقات ثنائية «جديدة» وبذل جهود مشتركة لبناء نظام سلام دائم ومستقر في شبه الجزيرة الكورية.