بدأ اليوم حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وفق دستورٍ جديد وصلاحيات معززة وواسعة، مع إعادة انتخابه رئيساً لتركيا، في الانتخابات المبكرة التي جرت أمس، والتي أعلنت بداية مرحلة جديدة في البلاد، على الصعيدين الداخلي والخارجي، ومسيرةً نحو «تركيا الجديدة» التي يرغب أردوغان في تفعيلها، حتى عام 2023. وفيما بقيت المعارضة تناهض حتى النفس الأخير النتائج الصادرة عن الإعلام الرسمي، متهمةً إياها بالتلاعب، خرج اليوم مرشحها الأبرز عن «حزب الشعب الجمهوري»، محرم إينجه، معلناً الهزيمة، تزامناً مع إعلان السلطات الانتخابية في وقت مبكر صباح اليوم، حصول أردوغان على الغالبية المطلقة بنسبة 52 في المئة.
وفي خطاب فوزه، قال الرئيس التركي إنه لن يتوقف حتى «تصبح تركيا، التي أنقذناها من المتآمرين والانقلابيين والمرتزقة السياسيين والاقتصاديين وعصابات الشوارع والتنظيمات الإرهابية، من بين أكبر عشرة اقتصادات في العالم».

إقرار بالهزيمة
أعلن إينجه، الذي حصل على 31 في المئة، اليوم، أنه «يقبل» بهزيمته، داعياً أردوغان إلى أن يكون رئيساً لجميع الأتراك. إينجه طالب أردوغان بالتوقف «من الآن فصاعداً عن التصرف بصفتك الأمين العام لحزب العدالة والتنمية (الحاكم)، يجب أن تكون رئيساً لـ81 مليون تركي». وانتقد إينجه التعديل الدستوري، الذي دفع أردوغان باتجاهه، والذي يعزّز بصورة كبيرة الصلاحيات الرئاسية ــ وقد دخل حيز التنفيذ ــ معتبراً أن تركيا انتقلت إلى «نظام متسلط».
وفيما أقرّ إينجه بأنه حدّد هدفاً لنفسه، وهو إحراز «35 في المئة من الأصوات»، أشار إلى أن النتيجة التي حققها هي الأعلى لـ«حزب الشعب الجمهوري» منذ 41 عاماً. من جهة ثانية، رأى أنه كان بإمكانه إرغام إردوغان على خوض دورة ثانية «لو حصل مرشحو المعارضة الآخرون على المزيد من الأصوات».
أقر محرم إينجه بهزيمته اليوم(أ ف ب )

في غضون ذلك، وعلى الرغم من الهزيمة، يبقى أن رهان رئيس «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كليتشدار أوغلو، على محرم إينجه بأن يكون شخصيةً كاريزميةً جاذبة، وتمنح ديناميةً للحزب في هذه الانتخابات، قد أثبت صوابيته أيضاً. فقد كان أداء إينجه السياسي واحدة من مفاجآت هذه الانتخابات، مع نجاحه، كما أشار، بمنح حزبه نتيجةً لم يحققها منذ عقود.
لكن الواقع، حالياً، بات واضحاً، وهو أن أردوغان المهيمن على السلطة في تركيا منذ 15 عاماً، قد فاز بولاية جديدة لخمس سنوات. وفيما تصرّ المعارضة على أن البلاد باتت أمام مرحلة جديدة من الهيمنة، أكد أردوغان في كلمة أمام مؤيديه في مقرّ حزبه «العدالة والتنمية»، ليل أمس، أن «الفائز في هذه الانتخابات هو الديموقراطية والرغبة الوطنية. الفائز في هذه الانتخابات هو كل واحد من مواطنينا البالغ عددهم 81 مليون نسمة».

رهانات صائبة
مع هذه النتيجة، ورغم خسارة «العدالة والتنمية» لأغلبيته البرلمانية منفرداً، يمكن القول إن أردوغان قد فرض نفسه أقوى قيادي منذ عهد مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك، وأكثر سياسيي تركيا شعبيةً لهذه الفترة من الزمن.
وقد أثبتت هذه الانتخابات التاريخية، أيضاً، أن رهان أردوغان على حزب «الحركة القومية»، حليفه، قد كان صائباً، فقد حصد الأخير نسبة 11.1 في المئة، ما يجعل التحالف مجتمعاً يحصل على نسبة 53.7 في المئة، التي تضمن لأردوغان الأغلبية البرلمانية.
هذه النتيجة التي حققها «الحركة القومية»، تجعله لاعباً بارزاً في البرلمان، وتؤكد أيضاً أن رئيسه دولت بهجلي قد نجح في إنقاذ هذا الحزب القومي اليميني.
برلمانياً أيضاً، فقد قابل التقدّم في الأصوات في الانتخابات الرئاسية، خسارة «حزب الشعب الجمهوري» لنسبة لا بأس بها، مقارنةً بانتخابات تشرين الثاني 2015، فقد نال 22 في المئة، وهو خسر هذه الأصوات من ناحية لـ«حزب الخير»، الوافد الجديد على البرلمان بنسبة 10 في المئة، ومن ناحية ثانية، لـ«حزب الشعوب الديموقراطي»، الذي حقق نتيجة جيدة بنسبة 11.7 في المئة، ليكون ثالث أحزاب البرلمان مع 67 نائباً في المجلس البالغ عدد أعضائه 600.
كذلك، يبدو أن أردوغان حقّق ما يريد من خلال تهيئة كل ظروف لنجاح مخططه، عبر الدعوة إلى هذه الانتخابات أثناء فترة الطوارئ، وأكثر من عام قبل موعدها المقرر.

الليرة تستريح

بعد فوز رجب طيب أردوغان، صعدت الليرة التركية أكثر من 2 في المئة، لتزيد على 4.55 مقابل الدولار، بعدما كانت قد خسرت 20 في المئة من قيمتها هذا العام. كذلك، صعدت الأسهم التركية قرابة 4 في المئة، إذ راهن المستثمرون على أن تؤدي النتيجة إلى الاستقرار السياسي، وهو مؤشر إيجابي لأسواق المال. ورغم قلق المستثمرين من إحكام قبضة أردوغان على السلطة، كان البعض يخشى أيضاً أن تدفع نتيجة الانتخابات بالبلاد نحو الاضطرابات السياسية.


يأتي ذلك فيما شهدت الحملة الانتخابية تغطيةً غير متوازية لمصلحة أردوغان، إذ كانت قنوات التلفزيون تبث كل خطبه بالكامل، فيما أجبر مرشح «حزب الشعوب الديموقراطي»، صلاح الدين دميرتاش، على خوض حملته من السجن حيث يقبع منذ عام 2016 بتهمة قيامه بأنشطة «إرهابية».
ولكن في مواجهة ذلك، شهدت هذه الحملة صحوةً للمعارضة، التي شكلت تحالفاً موحداً بين أحزاب تتبنى مبادئ متباعدة، مثل «حزب الشعب الجمهوري» (علماني) و«حزب الخير» (يمين قومي) و«حزب السعادة» (إسلامي محافظ)، وبدعم من «حزب الشعوب الديموقراطي» المؤيد للقضية الكردية، معولةً على هذه الانتخابات كفرصة لاستعادة الديموقراطية في البلاد ومنع أردوغان من احتكار السلطة تحت النظام الجديد.

«النتائج دليل واضح على نفوذه السياسي»
على الصعيد الدولي، فإن أبرز المهنئين لأردوغان كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي أكد أن «نتائج الانتخابات دليل واضح على النفوذ السياسي الكبير لأردوغان، والدعم الواسع الذي تحظى به قيادته بشأن نهجها إزاء المسائل الاجتماعية والاقتصادية، التي تواجهها تركيا ولتعزيز موقف البلاد على صعيد السياسة الخارجية».
بدوره، قدم الرئيس الإيراني، حسن روحاني، «أصدق التهاني» لأردوغان، معبّراً عن أمله في أن تتطور العلاقات الثنائية «بشكل إضافي استناداً إلى الروابط الثابتة التاريخية والثقافية والدينية وحسن الجوار... من أجل تمهيد الطريق بشكل أفضل لحل القضايا وإرساء السلام والاستقرار، وكذلك رفاه شعوب المنطقة».

(أ ف ب )

كذلك، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية غينغ شوانغ أن بكين تهنّئ أردوغان و«تحترم الخيار الذي قام به الشعب التركي». وأضاف أن الصين تعلّق «أهمية كبرى على علاقتها مع تركيا» وترغب «في زيادة العمل مع تركيا من أجل المضي قدماً في تعاوننا الاستراتيجي من أجل خدمة مصالح بلدينا وشعبينا».
وهنّأ الأمين العام لـ«حلف شمال الأطلسي»، ينس ستولتنبرغ، أيضاً الرئيس التركي على إعادة انتخابه. وقال إن الحلف «مبني على بعض القيم الجوهرية: الديموقراطية وسيادة القانون والحرية الفردية. أنا شخصياً أولي أهمية بالغة لهذه القيم وأؤكد أهميتها في العديد من عواصم الدول الأعضاء في الحلف، بما فيها أنقرة عندما ألتقي القادة الأتراك هناك».
في المقابل، رأت وزيرة خارجية السويد مارغو والستروم أن «تركيا ليست في موقع إعطاء دول أخرى دروساً في الديموقراطية، في وقت يقبع فيه زعيم المعارضة في السجن منذ فترة طويلة». وتابعت وزيرة خارجية السويد، قبل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في لوكسمبورغ، قائلة إن «القضية الكردية والتطورات الاقتصادية في تركيا تطرح تحدياً جدياً. كنا قلقين حيال طريقة تطور تركيا في الآونة الأخيرة، كان الأمر مثيراً للقلق».


«تحرير الأراضي السورية»
يبدو أن النتائج التي حققها أردوغان في الانتخابات، منحته دفعاً من القوة في الاستمرار باستراتيجيته في سوريا. وفيما تعهّد، بعيد فوزه، بعدم التراجع عن مبادرته لقيادة تحول تركيا، التي تشهد استقطاباً حاداً وتنتمي إلى «حلف شمال الأطلسي» والمرشحة ولو من الناحية النظرية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، أكد أنها ستواصل العمل من أجل «تحرير الأراضي السورية» ليتسنى للاجئين العودة إلى سوريا بأمان. وأضاف، متحدثاً إلى أنصاره من شرفة مقر حزبه الحاكم «العدالة والتنمية» في أنقرة، أن تركيا ستتصرف كذلك بشكل أكثر حزماً ضد المنظمات الإرهابية.