الحكومة البريطانية أمام أزمة، مع استقالة ثلاثة وزراء في الساعات الـ24 الأخيرة، وآخر هؤلاء وزير الخارجية بوريس جونسون، بسبب رفضهم دعم خطة رئيسة الوزراء تيريزا ماي للخروج من الاتحاد الأوروبي، فيما دافعت الأخيرة عن مشروعها المسبّب للخلاف أمام البرلمان. الخلاف الأساسي بين الوزراء المستقيلين وتيريزا ماي هو على طبيعة «بريكست»، في ظل طرح ماي لمشروعها للخروج المتضمّن اتفاقاً يضمن إقامة اتحاد جمركي ومنطقة تجارية حرة مع الاتحاد الأوروبي، فيما يدعم الوزراء المستقيلون «بريكست» متشدّد لا يتضمن علاقات تجارية مفتوحة مع بروكسل.
وقد جاء في بيان صادر عن مكتب ماي أن رئيسة الوزراء قبلت «بعد ظهر اليوم استقالة بوريس جونسون من منصب وزير الخارجية. سيُعلن قريباً اسم من سيخلفه. وتشكر رئيسة الوزراء بوريس على عمله». تلا هذه الاستقالة المدوية ارتفاع للأسهم البريطانية وهبوط للإسترليني. وفي انتظار خروج موقف من جونسون وإعلان اسم البديل له، فإنّ مصير حكومة ماي غير واضح حتى الآن، علماً بأن تقارير عدّة قد أشارت إلى أن جونسون انتقد في مجالسه الخاصة خطة ماي لإبقاء علاقات اقتصادية قوية مع الاتحاد الأوروبي.
في الأثناء، قدّمت ماي مشروعها أمام البرلمان بعدما كُشف عنه مساء الجمعة، ويقوم أساساً على إنشاء منطقة تبادل حرّ، وإقامة نموذج جمركي جديد مع الدول الأوروبية الـ27، بهدف المحافظة على تجارة «من دون صدامات» مع أوروبا.
استقال بوريس جونسون اليوم من الحكومة البريطانية (أ ف ب )

في خطابها أمام البرلمان، اليوم، أكدت ماي أنه منذ الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، استمعت إلى كلّ وجهات النظر بشأن «النسخات المختلفة لبريكست»، لكنها وجدت أن مشروعها هو الأفضل لمغادرة الاتحاد الأوروبي.
أوضحت رئيسة الوزراء البريطانية، في كلمتها التي عرضت فيها خطة «بريكست» الخلافية، أن إنشاء منطقة تبادل حرّ هو الحلّ الوحيد لتفادي تشديد الحدود بين بريطانيا وإيرلندا، وذلك بعدما رأت أن اقتراحات الاتحاد الأوروبي، في المقابل، غير مقبولة بالنسبة إلى لندن، وهي تتضمن إبقاء الحدود مفتوحة لتنقل الأشخاص، الأمر الذي ترفضه ماي.
بدوره، رأى رئيس «حزب العمال» المعارض، جيريمي كوربن، في كلمةٍ أمام البرلمان أن هذه الفوضى التي تجد الحكومة نفسها بها هي من «صنع يديها»، مشبّهاً الحكومة بـ«السفينة الغارقة»، بعد مغادرة بعض الوزراء منها.

استقالات ثلاث... في 24 ساعة!
لم تكد ماي تعالج استقالة الوزير المكّلف ملف «بريكست»، ديفيد دايفيس، ووزير الدولة للشؤون «بريكست»، ستفين بايكر، باستبدال وزير الدولة لشؤون الإسكان، دومينيك راب بديفيس، حتى جاءت استقالة جونسون لتقلب الموازين ضدّها من جديد.
الآن، يقع حمل تمثيل لندن في مفاوضات خروجها من الاتحاد الأوروبي على راب، المشكّك أيضاً بجدوى الاتحاد الأوروبي، فيما لا تزال الانقسامات بشأن مستقبل المملكة قبل تسعة أشهر من الخروج من الاتحاد الأوروبي تبقى قائمة. يضاف إلى ذلك ملل القادة الأوروبيين من مماطلة الحكومة البريطانية بشأن توجهات الخروج من الاتحاد، على الرغم من أن الاستقالة ليست مشكلة بالنسبة إلى الأوروبيين، وفق ما أكدت المفوضية الأوروبية، اليوم، بل ستواصل المفوضية التفاوض مع ماي «بنيّة حسنة».
في الواقع، تعكس تلك الاستقالات الاختلاف العميق بشأن الاتفاق الذي سيجمع لندن وبروكسل بعد الخروج، إذ تأتي الاستقالات بعد يومين من اجتماع بين ماي ووزرائها، خلُص إلى إعلان اتفاق بشأن الرغبة في الحفاظ على علاقة تجارية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي بعد خروج البلاد من التكتل. يرفض ديفيس ذلك، على اعتبار أن الطريق المتّبع لن يؤدي إلى ما صوت البريطانيون من أجله: «في أحسن الأحوال، سنكون في موقع ضعيف للتفاوض» مع بروكسل، وفق ما قال.
رغم تأكيد ديفيس أن ماي ستصمد بعد رحليه، إلا أنه وفق الصحافي جاك بلانشار في مجلة «بوليتيكو»، فإن هذه الاستقالة التي تلتها استقالة وزير الدولة لشؤون «بريكست» ستيف بايكر، تضع «ماي في موقع ضعيف، فيما يتساءل وزراء آخرون مؤيدون لبريكست عمّا إذا كان عليهم أن يحذوا حذو ديفيس وأن يحاولوا إسقاط ماي».
كذلك، تعليقاً على استقالة ديفيس، رأى زعيم «حزب العمال» البريطاني، المعارض جيريمي كوربن، أنها تعرّض للخطر المفاوضات مع بروكسل بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبي المرتقب في 29 آذار/مارس 2019. «رحيل ديفيس في لحظة حساسة إلى هذا الحدّ يظهر أن تيريزا ماي لم تعد تتمتع بسلطة، وأنها غير قادرة على تنفيذ بريكست»، وفق كوربن الذي وصف الحكومة بأنها في خضم «فوضى»، في وقت قدمت بالكاد مشروعها لمرحلة ما بعد «بريكست».
في المقابل، رحّبت أوساط الاقتصاد والمال، من جهتها، بمشروع ماي ورأت أنه يتضمن منعطفاً طفيفاً نحو «بريكست أقل تشدداً» الذي يلبي رغباتهم.
كذلك، رحّب قطاع الأعمال البريطاني بخطة الحكومة البريطانية للمحافظة على روابط اقتصادية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي بعد «بريكست». وأعربت الشركات البريطانية، التي لطالما أصرّ رؤساؤها على وضع خطة واضحة لـ«بريكست»، عن تأييدها لمقترحات ماي.
من جهتها، رأت المديرة العامة لاتحاد الصناعة البريطانية «سي بي آي»، كارولين فيربيرن، في حديث لشبكة «بي بي سي» البريطانية، استقالة ديفيس «ضربة» للخطة، إلّا أنها أكدت أن الحكومة تسير «في الاتجاه الصحيح»، إذ «قد نرى في وقت ما تفوق فوائد اتفاقات التجارة الحرّة دولياً على التجارة الأوروبية، لكن هذا الوقت لم يحن بعد».أضافت أنه «ما لم يكن لدينا خيار بديل يتيح تجارة بدون عوائق، فإن الوحدة الجمركية هي الحل. لذا نحن نعتقد أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح».
رأى زعيم «حزب العمال» جيريمي كوربن أن الحكومة هي أشبه بـ«سفينة غارقة»(أ ف ب )