إسطنبول | أدى رجب طيب أردوغان اليمين الدستورية بصفته الرئيس التأسيسي لتركيا الجديدة التي يعتبرها أتباع أردوغان الجمهورية الثانية التي أسدلت الستار على الأولى (التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك عام ١٩٢٣ بعد حرب الاستقلال ضد بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان حينما احتلت البلاد بعد هزيمة الدولة العثمانية وسقوطها). وقال أردوغان بعد أن أدى اليمين إنه لم يعد رئيس جمهورية، بل هو رئيس دولة. وبدأت مراسم اليمين بمجيء أردوغان إلى البرلمان وسط تدابير أمنية مشددة لم تشهدها العاصمة أنقرة من قبل، وشارك في تأمينه أكثر من ١٠ آلاف من عناصر الأمن والاستخبارات والجيش، كما رافقت المروحيات السيارة التي كانت تقله. وحضر حفل التنصيب عدد من الرؤساء ورؤساء الوزراء من عشرين دولة، فيما اصطف الآلاف من المواطنين على طول الطريق الذي مر منه الرئيس، بعد إغلاق عدد من الشوارع، علماً أن العشرات من الكاميرات في الهواء وعلى الأرض بثت تحركاته على الهواء مباشرة، فيما وضع المئات من القناصة على أسطح البرلمان والقصر الرئاسي والمباني المحيطة.أما أعضاء البرلمان، عن حزب «الشعب الجمهوري» و«الشعوب الديموقراطي»، فبقوا جالسين في مقاعدهم خلال دخول أردوغان البرلمان، إذ سبق لزعيم الحزب الأول، كمال كليجدار أوغلو، أن قال إنهم لن يحترموا «رئيساً ديكتاتورياً». ورفض أوغلو، وزعيمة حزب «الجيد»، مارال أكشانار، تلبية الدعوة للمشاركة في الحفل، فيما لم توجه الدعوة للزعيمين المشتركين لـ«الشعوب الديموقراطي» للمشاركة. في المقابل، حضر أفراد عائلة الرئيس، نجله بلال وابنته الكبرى سمية وزوجها سلجوق بايراقتار الذي يملك مصنع الطائرات العسكرية المسيرة، وابنته الصغرى أسرا الذي غاب زوجها وزير الطاقة، برات البايراك، إذ كان مكلفاً الاهتمام بالضيوف الأجانب. أيضاً غاب نجله الكبير براق من دون تفسير أو توضيح لذلك، بل تهربت وسائل الإعلام من التعليق على الأمر.
بعد ذلك، غادر أردوغان إلى ضريح أتاتورك ووضع إكليلاً من الزهور، وكتب في سجله الذهبي: «أتمنى من الله تعالى أن يوفقني من أجل خدمة الجمهورية التي أسستها ورفاقك»، ثم شارك في الاحتفال الشعبي الكبير في القصر الجمهوري، الذي حضره أكثر من عشرة آلاف مواطن، مؤكداً من هناك عزمه وإصراره على «النضال من أجل بناء تركيا جديدة». أيضاً، أطلقت المدفعية ١٠١ طلقة تحية للرئيس الجديد خلال مجيئه إلى القصر، ويسميه أردوغان «الكلية الرئاسية»، إذ استخدم العثمانيون كلمة كلية بمعنى مجمع.
قلّص الرئيس الوزارات من ٢٢ إلى ١٦ وألغى «مجلس الشورى العسكري»


الرئيس المنتخب مجدداً أصدر العديد من المراسيم الرئاسية التي ستحدد مسار المرحلة المقبلة، إذ تم تقليص عدد الوزارات من ٢٢ إلى ١٦، وإلغاء «مجلس الشورى العسكري»، وهو أعلى هيئة عسكرية تقرر ترقيات وتعيينات القيادات. كما ألغي القانون الذي يحدد صلاحيات رئيس الأركان وأصبح تابعاً لأردوغان مباشرة، وتم تغيير اسم «مستشار الاستخبارات الوطنية» إلى رئيس الاستخبارات، وأيضاً تحديد صلاحيات «مجلس الأمن القومي» ومهامه و«المجلس الأعلى للقضاء»، فيما سيختار أردوغان معظم أعضاء المجلس، وأعضاء المحاكم العليا بما فيها «الدستورية».
جراء ذلك، عبرت أوساط المعارضة عن قلقها من السياسات المُحتملة للرئيس، قائلة إنه سيكثف نشاطه لإحكام «سيطرته المطلقة على جميع مؤسسات ومرافق وأجهزة الدولة وأهمها الجيش والاستخبارات والأمن والقضاء والاقتصاد... والاستعجال في مساعيه لأسلمة الدولة والأمة التركية». وأضافت أن «أردوغان يخطط للحد من جميع الحريات الديموقراطية ومنع أي نشاط معادٍ له ولنظامه الفردي إن كان ذلك عبر العمل السياسي أو الإعلامي، خصوصاً إذا حاولت وسائل الإعلام انتقاد سياساته الداخلية والخارجية بهدف عرقلة مساعيه لإقامة دولة حزبية، إذ يتحول الجيش والأمن إلى جهازين عقائديين تكون قياداتهما من حزب العدالة والتنمية الحاكم». كما تتوقع المعارضة أن يصدر أردوغان خلال الأيام القليلة المقبلة سلسلة أخرى من المراسيم.
على أي حال، يترأس أردوغان اليوم أول اجتماع لمجلس الوزراء الجديد بعد أن يصلي مع الوزراء في جامع حج بايرام التاريخي في العاصمة. ومن المتوقع أن يصل في اليوم نفسه الشطر الشمالي من قبرص ليفتتح جامعاً كبيراً وكلية للشريعة على رغم اعتراض عدد من الأحزاب والتنظيمات اليسارية التي تتهمه بالعمل على أسلمة الدولة والمجتمع في جمهورية شمال قبرص التركية، وعدد سكانها نحو ٣٥٠ ألفاً. وسيشارك غداً في القمة الأطلسية في بروكسيل، في أول زيارة خارجية له بعد قسمه، حيث يلتقي زعماء الدول الأعضاء الذين لم يشارك أي منهم - وكذلك دول الاتحاد الأوروبي - سوى بلغاريا في حفل تنصيب أردوغان.
وكان الرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، الرئيس الأهم الذي حضر الحفل، إذ وصف أردوغان في تغريداته على «تويتر» بـ«زعيم العالم الجديد». ومن الدول العربية شارك في حفل التنصيب رؤساء السودان وجيبوتي وموريتانيا والصومال وأمير قطر ورئيس وزراء الجزائر وفلسطين ورئيس البرلمان العراقي إلى جانب رؤساء البوسنة والإكوادور ومولدافيا وباكستان وجمهورية شمال قبرص التركية وغينيا وغينيا بيساو وجورجيا والبوسنة وصربيا وقرغيزيا وزامبيا وغينيا الاستوائية والغابون ومقدونيا وكوسوفو، إضافة إلى رؤساء وزراء وبرلمانات من نحو ٣٠ دولة منهم رئيس وزراء روسيا، ديميتري مدفيديف.