أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، يوم أمس، اختيار القاضي المحافظ، بريت كافانو، لرئاسة المحكمة العليا، في خطوة من شأنها أن تكرّس هيمنة اليمين على أعلى هيئة قضائية في البلاد. هذه الهيئة تفصل في المسائل الأساسية التي ينقسم حولها المجتمع الأميركي مثل عقوبة الإعدام، حق الإجهاض، تشريع الأسلحة النارية وغيرها.
«لا نظير له»
أثناء إعلان اختيار كافانو مرشحاً إلى المحكمة العليا، أكد ترامب أن القاضي «يتمتع بمؤهلات لا تشوبها شائبة، وبمميزات لا نظير لها، وبالتزام مُثبت بالمساواة في العدالة بحسب ما يمليه القانون»، مضيفاً أنه «ليس هناك أحد في أميركا مؤهل أكثر منه لتولي هذا المنصب وليس هناك أيضاً أحد يستحقه أكثر منه». كما ناشد ترامب مجلس الشيوخ الموافقة على هذا التعيين بسرعة. تعيين كافانو هو الثاني منذ تولي ترامب مهامه، إذ سبق وعيّن قاضياً شاباً محافظاً هو نيل غورسيتش عام 2017.
لكن كافانو لم يأتِ على أي ذكر لميوله السياسية في تصريحاته المقتبضة التي أدلى بها في البيت الأبيض حيث حضر مع زوجته وابنتيهما. وقال أمام شخصيات رفيعة وبحضور ترامب «إن فلسفتي القضائية مستقيمة. على القاضي أن يكون مستقلاً وأن يفسر القانون لا أن يصنع القانون»، مضيفاً «أؤمن أن هيئة قضائية مستقلة هي جوهرة تاج جمهوريتنا الدستورية. وإذا ما صادق مجلس الشيوخ على تعييني... سأسعى جاهداً دوماً للحفاظ على دستور الولايات المتحدة ودولة القانون الأميركية».


الحقوق والحريات «على المقصلة»
سيتوجه كافانو إلى الكابيتول هيل، مبنى الكونغرس الأميركي، هذا الأسبوع حيث سيخاطب أعضاء مجلس الشيوخ للحصول على موافقتهم لتعيينه. ومن المتوقع أنه سيواجه تشكيكاً قوياً ومعارضة صريحة من غالبية الديموقراطيين.
لكن الديموقراطيين الأقلية غير قادرين على منع تعيين كافانو ما لم يتمكنوا من استمالة عدد من أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين. وقد أكد هؤلاء الأهمية التي يحملها قرار الرئيس وسط استعدادهم لمعركة المصادقة على تعيينه.
زعيم الأقلية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، قال عبر «تويتر» إن ترامب باختياره كافانو «وضع حقوق وحريات الإنجاب وحماية الرعاية الصحية لملايين الأميركيين على مقصلة الهيئة القضائية».
وشنّ شومر وديموقراطيون آخرون في مجلس الشيوخ هجوماً على ترامب لاختياره كافانو من بين لائحة وافقت عليها مسبقاً مجموعات يمينيّة منها «المجتمع الفدرالي» المحافظ.


بدوره، كتب السناتور الليبرالي الديموقراطي، برني ساندرز، في تغريدة، أنه إذا تمت المصادقة على تعيين كافانو «سيكون لذلك تأثير سلبي جداً على حقوق العمال وحقوق النساء وحقوق الاقتراع لعشرات السنوات الآتية. علينا أن نبذل كل جهد لمنع تعيينه».
على النقيض، رحب السناتور الجمهوري جون ماكين، الذي يعتبر صوته حاسماً في المصادقة على الترشيح، باختيار كافانو. وكتب على «تويتر» أن القاضي «يتمتع بمؤهلات لا تشوبها شائبة وبسجلّ قوي في الحفاظ على الدستور. وهو يحظى باحترام بصفته قاضياً عادلاً ومستقلاً ومؤسساتياً».
كذلك، رحب زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، بـ«الاختيار الرائع» لكافانو وحض أعضاء المجلس على «وضع الولاء للأحزاب جانباً والأخذ بعين الاعتبار مؤهلاته القانونية بالنزاهة والاحترام والجدية الضرورية لمرشح المحكمة العليا».
يخشى الديموقراطيون أنه في حال طغى المحافظون في المحكمة العليا، فيمكن أن يلبوا مطالب محلية بتشريع الأسلحة النارية ويعطوا ضمانات إلى المسيحيين المحافظين ويعززوا مواقف مؤيدي عقوبة الإعدام ويدعموا جهات الضغط لأرباب العمل ويعارضوا تحديد سقف لتمويل الحملات الانتخابية. وكان ترامب قد أعلن خلال حملته الرئاسية عام 2016 أنه سيعين «قضاة مؤيدين للحياة في المحكمة»، مثيراً حماسة قاعدته الشعبية، برغم استطلاعات أكدت أن غالبية الأميركيين يدعمون حق الإجهاض. وكان كافانو قد أعرب مؤخراً عن معارضته لقرار قضائي يسمح لمراهقة مهاجرة لا تحمل أوراقاً ثبوتية بالخضوع للإجهاض.


من هو كافانو؟
شغل كافانو منصب المستشار القانوني للرئيس الجمهوري الأسبق جورج بوش الابن. وكان من أعضاء الفريق القانوني لبوش في عملية إعادة فرز الأصوات في ولاية كاليفورنيا والتي أفضت إلى فوز هذا الأخير في الانتخابات.
بدأ مسيرته في السلك القضائي مساعداً لكينيدي (سَلَفه) الذي يكبر كافانو بثلاثين عاماً. في حال وافق مجلس الشيوخ على قرار ترامب تعيينه في المحكمة العليا، سيصبح كافانو (53 عاماً) أحد أصغر القضاة الذين ينضمون إلى المؤسسة المكلفة حماية دستورية القوانين في الولايات المتحدة.
جاء تعيين كافانو بعد التقاعد غير المتوقع للقاضي، انتوني كينيدي، أحد القضاة التسعة الذين يعيّنون مدى الحياة في المحكمة العليا.
وقد فاجأ كينيدي الجميع في حزيران/ يونيو الماضي بقراره التقاعد من منصبه في المحكمة العليا، علماً بأن أعضاء هذه الهيئة يمكنهم أن يظلوا في مناصبهم لمدى الحياة.
وكان القاضي كينيدي يمثل في المحكمة العليا كلمة الفصل، إذ يصوّت حيناً مع المحافظين وحيناً آخر مع الليبراليين، فيرجح بصوته كفة أحد الطرفين المتساويين في عدد الأصوات في هذه الهيئة. وبقراره التقاعد من منصبه منح كينيدي الرئيس الجمهوري فرصة لترجيح كفة المحافظين في أعلى هيئة قضائية في البلاد. ولعب القاضي كينيدي (81 عاماً) دوراً محورياً، فهو محافظ حول مواضيع مثل الأسلحة النارية وتمويل الحملات الانتخابية، لكنه تقدمي أكثر حول مسائل مثل الإجهاض والتمييز الإيجابي وزواج المثليين.