الحديث عن آثار وتداعيات الاحتباس الحراري لم يعد مجرّد نظريات وتنبّؤات تُناقَش في أروقة الجامعات ومراكز الأبحاث، بل حقائق مثبتة وقائمة تبعاً للتغيرات الماثلة راهناً في النظم البيئية والطبيعية للأرض. أبرز تلك الحقائق تتجلّى، اليوم، في الموجات الحارة الشديدة وحرائق الغابات التي «تعيث فساداً في جميع أنحاء العالم»، بحسب ما نقلت صحيفة «ذي غارديان» البريطانية عن البروفيسور مايكل مان، أحد أبرز علماء المناخ في العالم. وفق الأخير، فإن الكوكب يتعرّف اليوم إلى «وجه تغيّر المناخ» بعيداً عن الإطار النظري، ويختبر حقيقةً «تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري في الوقت الراهن». منذ منتصف القرن الماضي وحتى مطلع الألفية الثالثة، سادت توقعات في أن يؤدي تغيّر المناخ إلى زيادة الحوادث المناخية المتطرفة. لكن العلماء، وفي غضون سنوات قليلة، باتوا الآن واثقين من أن تلك التنبؤات تتحقق وأنها خرجت من إطارها النظري بوتائر أسرع من المتوقع.
وهذا ما يبرر درجات الحرارة المرتفعة التي شهدتها المملكة المتحدة وشمال أوروبا تحديداً في الآونة الأخيرة، والتي تأتي بمجملها نتيجةً لارتفاع درجة حرارة الأرض.

أوروبا تحترق

سجلت بريطانيا مناخاً هو الأكثر جفافاً منذ 50 عاماً، خلال النصف الأول من فصل الصيف
تتعرض السويد إلى موجة جفاف غير مسبوقة تسببت في نشوب 23 حريقاً في أنحاء البلاد
في هولندا، أعلن معهد الأرصاد الجوية رسمياً أول موجة حر تشهدها البلاد منذ ثلاث سنوات، حيث سترتفع درجات الحرارة إلى 36 درجة مئوية


التنبؤات تتحقّق
الطقس المتطرّف ضرب أوروبا، من الدائرة القطبية الشمالية إلى اليونان، وصولاً إلى أميركا الشمالية واليابان. و«هذا هو وجه تغيّر المناخ»، كما يقول البروفيسور في جامعة «ولاية بنسلفانيا» مايكل مان، الذي أكد لـ«ذي غادريان» أن «تأثيرات تغيّر المناخ لم تعد خفية، وما يحدث هذا الصيف هو مثال حقيقي على ذلك». مان أشار إلى أن العلماء يرون تنبؤاتهم تتحقق، مضيفاً: «بصفتي عالماً يمثّل هذا الأمر تأكيداً لتوقعاتنا. ولكن كمواطن من كوكب الأرض، من المحزن للغاية أن نرى ذلك لأنه يعني أننا لم نتخذ الإجراءات اللازمة». والحال أن العلماء توقعوا منذ فترة طويلة أن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيزيد من عدد وشدة موجات الحر بحلول عام 2040، حتى أنهم رجّحوا حدوثها بشدّة، أسوأ من تلك التي ضربت بعض الدول أخيراً.
وعليه، يصبح السؤال عمّا إذا كان تغيّر المناخ «يسبب أحداثاً محددة» (موجات حر شديدة) هو سؤال خاطئ، وفق البروفيسور مان، الذي رأى أن السؤال الحقيقي الذي يجب طرحه هو التالي: «هل يؤثر تغيّر المناخ على هذه الأحداث ويجعلها أكثر تطرّفاً؟». يستدرك مان قائلاً: «يمكننا أن نقول، بثقة كبيرة، إنها كذلك».
وفي هذا الإطار، حاول مان تفسير العلاقة بين تغيّر المناخ وموجات الحر الحالية، بالارتكاز إلى طبيعة العلاقة بين تدخين التبغ وسرطان الرئة، التي وصفها البروفيسور بـ«العلاقة الإحصائية» التي «لا تثبت أن كل سرطان ناجم عن التدخين». لكن علماء الأوبئة يعرفون أن التدخين يزيد من مخاطر الإصابة بالسرطان إلى حد كبير، و«هذا يكفي لقول إنه، لجميع الأغراض العملية، هناك علاقة سببية بين تدخين السجائر وسرطان الرئة، وهو ما ينطبق أيضاً على قضية تغير المناخ».

حرائق كاليفورنيا أتت على أكثر من 38 ألف هكتار من الأراضي (أ ف ب )

هل فات الأوان؟
يتفق كبار العلماء الآخرين على أن الرابط واضح، أبرزهم البروفيسور في جامعة «ريدينغ» البريطانية، روان ساتون، الذي أشار في تصريح لـ«ذي غارديان» إلى أن تغيّر المناخ الخطير «يتكشّف أمام أعيننا».
وبرغم سوداوية ما تفضي إليه التوقعات، يقول مان إن الأوان لم يفت لإجراء التخفيضات المطلوبة في انبعاثات الغازات المسبّبة للاحتباس الحراري، خصوصاً أن آثار التغيّر المناخي «تتفاقم تدريجياً مع تزايد الاحترار العالمي». لذا، يعتبر مان أن الاستسلام والتذرّع بحجة فوات الأوان يمكن تشبيهها بالذي مضى يمشي في حقل ألغام، رغم توفر طرقات بديلة أقل ضرراً. ويختم قائلاً: «إنها حقاً مسألة مدى السوء الذي ستحصل عليه».

جفاف في العراق
يعاني العراق من شح المياه، إثر انخفاض منسوبها بشكلٍ كبير منذ سنوات. اليوم، أصبحت الحيوانات أيضاً ضحية الجفاف في بلاد ما بين النهرين. في منطقة النجف الأشرف الجنوبية، مثلاً، يسعى مربو المواشي إلى التضحية بحيوانات لإنقاذ أخرى تنازع بسبب انعدام الماء وسط حرارة تلامس الخمسين درجة في فصل الصيف. وبفعل الجفاف، يشهد العراق ظهور حشرات تزيد من عملية نفوق المواشي، بحسب ما يؤكد مدير «الجمعية الفلاحية» في مدينة النجف، أحمد العيساوي لوكالة «فرانس برس».
وتشير المصادر نفسها إلى أن محافظات الجنوب شهدت، بنسبٍ متفاوتة، نفوق ما يقدر بنحو 30 في المئة من الماشية، بين الأبقار والجواميس. وقد قضت الحيوانات إما نتيجة العطش، وإما بعد بيعها إلى المسالخ لذبحها.
الجواميس والأبقار نفقت إما نتيجة العطش، وإما بعد بيعها إلى المسالخ لذبحها (أ ف ب )