ليست المزاعم حول التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة الأميركية، جديدة. منذ عام 2016، تتصدّر هذه الرواية اهتمام الاستخبارات الأميركية، ووسائل الإعلام، وكل خصوم ترامب. آخر فصولها، هو ما كشفته القناة العاشرة الإسرائيلية، عن أن شبكة روسيّة أثّرت في سير انتخابات 2016 لمصلحة ترامب، من خلال «إثارة حوار بشأن العلاقات الإسرائيلية ــــ الأميركية»... كيف حدث ذلك؟
تلميع صورة نتنياهو
في تحقيق استقصائي خاص، أفادت القناة العاشرة الإسرائيلية بأنّ شبكة روسية أثّرت في الانتخابات الرئاسية الأميركية لمصلحة الرئيس الحالي دونالد ترامب؛ وذلك من خلال «تحسين صورة» رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وعلاقته مع ترامب، في مقابل «إبراز التوتر» بين نتنياهو والرئيس السابق باراك أوباما، بما ينعكس سلباً على نظرة الناخب الأميركي إلى مرشحة الحزب الديومقراطي، هيلاري كلينتون.
التقرير الذي عرضته القناة الإسرائيلية مساء أمس، بيّن أنّ الشبكة الروسية «بثّت مئات آلاف المنشورات والتغريدات عبر حسابات وهمية على موقعَي فايسبوك وتويتر، ومنصات تواصل اجتماعي أخرى، بهدف إثارة حوار حول العلاقات الإسرائيلية ــــ الأميركية، وإبراز حسنات علاقة نتنياهو ــــ ترامب، في مقابل تدهور علاقة الديموقراطيين بإسرائيل».
التحقيق زعم أنّ «وكالة أبحاث الإنترنت الروسيّة» بثّت «ثلاثة ملايين تغريدة، آخرها نُشر قبل ثلاثة أشهر، في إطار عملية روسية محكمة التخطيط».
الوكالة «الغامضة»، بحسب القناة، تعمل من موسكو، ويموّلها شخص مقرب من الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.
الوكالة «الغامضة» تعمل من موسكو ويموّلها شخص مقرب من الرئيس الروسي (أ ف ب)

«الصراع بين الشيطان والمسيح»
صحيح أنّ وكالات الاستخبارات الأميركية خلصت نهاية عام 2016 إلى القول إنّ «التدخل الروسي» حصل، وهو ما ينفيه ترامب بشدة. ولكن هذه المرة كشفت القناة عن «استغلال الروس للعلاقات الأميركية ــــ الإسرائيلية في حملتهم (المفترضة) التي هدفت إلى مساعدة ترامب في الفوز».
بحسب التحقيق التلفزيوني، فإنّ عميلاً روسيّاً من بين مئات العملاء العاملين في الشبكة، أنشأ حسابات مزوّرة، ونشر عليها قصصاً وهمية، مثل منشور (على فيسبوك) شبّه فيه الصراع بين كلينتون وترامب بـ«الصراع بين الشيطان والمسيح»؛ أو تغريدة على تويتر ادّعت أن «كلينتون زيّفت نتائج الانتخابات التمهيدية في الحزب الديموقراطي في كل المناطق التي فازت فيها، كي تنال ترشيح الحزب للانتخابات الرئاسية».
كذلك، اختار العميل اسماً أميركياً له، وقدم نفسه على أنه من مؤيدي الحزب الجمهوري في ولاية تينيسي. الأمر الذي أكّدته الاستخبارات الأميركية أيضاً؛ إذ إن الهدف الأساسي كان «زرع الفرقة، ونشر الآراء المتطرفة وإضعاف أميركا». أمّا الهدف الثاني، بحسب التحقيق، فهو «مساعدة ترامب في الوصول إلى البيت الأبيض».
التحقيق زعم أنّ «ملايين الأميركيين تعرّضوا للحملة الروسية دون أن يعلموا بذلك». وأشار إلى أن روسيا «حاولت تعكير العلاقات بين أوباما ونتنياهو، وتعزيز العلاقة بين ترامب ونتنياهو، عن طريق تغريدات جاء في إحداها، مثلاً: «رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو متّهم بالفساد؟ هذا مستحيل! نتنياهو صديقنا. وتحت حُكمه صارت إسرائيل حليفتنا الأقوى، شاركوا هذه التغريدة إن كنتم تظنون أن نتنياهو بريء». في تغريدة أخرى: «لو كان لدينا شخص مثل نتنياهو عام 1938 لثنى تشامبرلين عن إجراء مفاوضات مع هتلر»، في إشارة إلى آرثر نيفيل تشامبرلين الذي كان رئيساً للوزراء في بريطانيا بين آذار/ مارس 1869 وتشرين الثاني، نوفمبر 1940، والذي حاول استرضاء الزعيم الألماني النازي أدولف هتلر.

كلاهما يتعرّض للتشويه
أكثر التغريدات التي أعيد نشرها، كانت، بحسب التحقيق، تلك التي تتعلّق «بالدفاع عن ترامب واعتبار أنه يتعرض لمحاولة تشويه وشيطنة تماماً مثل نتنياهو، وأن الاثنين هما اللذان يسعيان لكشف فشل أوباما»؛ فمثلاً عندما زار نتنياهو سور الصين العظيم، كتب في إحدى التغريدات «من الضروري بناء سور في غرب أوروبا»، وهو كان ضمناً يدعم موقف ترامب المناهض للهجرة.
بحسب القناة، فقد تم تحليل ثلاثة ملايين تغريدة لمصلحة التحقيق التلفزيوني، وبيّن جزء منها محاولات لتعزيز اليمين واليمين المتطرف في الخريطة السياسية الأميركية، من أجل تعزيز صورة نتنياهو بشكل إيجابي في صفوفه. من بين هذه التغريدات «هناك 832 ألف تغريدة كتبت بلغات غير إنكليزية، وتناولت عشرات آلاف التغريدات إسرائيل وإيران والشرق الأوسط».
وأظهرت عيّنة من هذه التغريدات التي ذكر فيها الروس نتنياهو أن «60% منها ركّزت على محاولة ضرب علاقة إدارة أوباما بنتنياهو، والربط بين ترامب ونتنياهو، أو مناصري اليمين في أميركا ونتنياهو بشكل إيجابي». في المقابل، «هاجمت 25% من التغريدات نتنياهو من حسابات روسية تدّعي أن أصحابها يساريون، أو يعملون في التحقيقات الجنائية ضد نتنياهو، وذلك لخلق ردّ فعل مضاد لدى مناصري ترامب ونتنياهو، أما باقي التغريدات فيتعلق بنشر تقارير إخبارية».