افتعلت الإدارة الأميركية، اليوم، تصعيداً جديداً مع موسكو بفرضها عقوباتٍ اقتصادية على خلفية قضية الهجوم المزعوم بغاز الأعصاب «نوفيتشوك» في بريطانيا، لكن الكرملين توعّد الأميركيين بالردّ، لتعود المواجهة مجدداً بين القوتين العظميين.يأتي ذلك بعد أقل من شهر على قمة هلسنكي بين الرئيسين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين، وفي الوقت الذي كانت فيه روسيا قلقة من مبادرات البرلمانيين الأميركيين المستعدين لمعاقبتها.

ما هي العقوبات الأميركية؟
لم تتضح بعد تفاصيل العقوبات، لكن الخارجية الأميركية قالت إنها تأتي بعدما «كشفت أن الحكومة الروسية استخدمت الأسلحة الكيميائية أو البيولوجية في خرق للقوانين الدولية»، في إشارةٍ إلى عملية تسميم العميل الروسي السابق المزدوج سيرغي سكريبال وابنته يوليا مطلع آذار/ مارس في سالزبري ببريطانيا.
قد تشمل العقوبات الجديدة، وفق مسؤول أميركي طلب عدم كشف اسمه، حظر بيع روسيا تكنولوجيا «حساسة» كتلك المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية ومعدات المعايرة، وهي تكنولوجيا كان يسمح ببيعها سابقاً كل حالة على حدة. وقد تشمل هذه العقوبات، وفق المسؤول نفسه، صادرات بمئات الملايين من الدولارات إلى روسيا.
في هذا الصدد، أشارت صحيفة «واشنطن بوست» إلى قانون أميركي صادر عام 1991 يفوّض فرض عقوبات إذا ما قرّر الرئيس الأميركي أن «بلداً ما مسؤول عن اعتداء بأسلحة كيميائية أو بيولوجية».
بناءً على ذلك القانون، توضح الصحيفة أن «الجولة الأولى من العقوبات الجديدة التي من المقرر أن تدخل حيّز التنفيذ في 22 آب/ أغسطس، تتضمّن حظراً واسعاً على الصادرات التكنولوجية لروسيا».
يقف تنفيذ وتوسيع تلك العقوبات على موافقة روسيا خلال 90 يوماً على «وقف استخدام الأسلحة الكيميائية والسماح بالتفتيش للتأكد من التخلص منها».
إذا لم تفعل، ينص القانون المذكور على أن «للولايات المتحدة الحق في اختيار بين مجموعة واسعة من الإجراءات الإضافية، من بينها سحب الدعم الأميركي على القروض الدولية وسحب القروض الأميركية، ومنع شركات الطيران الروسية من الهبوط في مطارات الولايات المتحدة، وتعليق العلاقات الدبلوماسية».
هذا ما أكّده أيضاً المسؤول الأميركي، الذي أشار إلى أنه في حال عدم احترام المطالب الأميركية «سيتمّ إصدار دفعة جديدة من العقوبات الصارمة... قد تذهب إلى حد منع شركات الطيران الروسية من الهبوط في المطارات الأميركية أو حتى تعليق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين».
وتتابع «واشنطن بوست» إن «المحللين في موسكو يؤكدون أن بوتين ليس من الممكن أن يقبل بدخول مفتشين إلى بلاده لتفادي عقوبات إضافية، فذلك سيعني الخضوع للضغط الأميركي. بدل ذلك ستردّ روسيا بعقوباتها الخاصة».

روسيا ستردّ...
«رصيد بوتين يظهر أنه لا ينهار أمام الضغط، بل يذهب بالاتجاه المعاكس»، هكذا قوّم المدير العام «للمجلس الروسي للشؤون الدولية» في موسكو، أندريه كورتونوف، الموقف المتوقّع لبلاده لصحيفة «واشنطن بوست».
وبالفعل، فقد حذّرت روسيا، اليوم، من أنها تعدّ إجراءات مضادة للرد على هذه العقوبات. وفق المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، فإن روسيا تعتبر «الإعلان عن قيود جديدة مرتبطة بقضية سالزبري غير مقبول على الإطلاق ونعتبرها غير شرعية»، مكرراً نفي بلاده «بأكبر حزم ممكن كل التصريحات الصادرة حول أي ضلوع محتمل لروسيا».
ووصف بيسكوف الولايات المتحدة بأنها «شريك لا يمكن توقع سلوكه»، مع ذلك، «موسكو لا تزال تأمل إقامة علاقات بناءة مع واشنطن»، وهي علاقات «لا تصب فقط في مصلحة شعبينا، وإنما أيضاً في مصلحة الاستقرار والأمن في العالم».
كذلك، قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، خلال مؤتمر صحافي إن «الجانب الروسي سيبدأ بإعداد إجراءات انتقامية ردّاً على هذا التحرّك الجديد غير الودّي من قبل واشنطن». أضافت إن السلطات الأميركية اختارت «عمداً طريق المواجهة في العلاقات الثنائية التي وصلت عملياً إلى أدنى المستويات بسبب جهودهم».
بناءً على توقعات النائب الروسي، سيرغي ريابوخين، فقد يشمل الردّ الروسي التوقف عن تصدير محركات «آر دي – 180» الصاروخية، التي تعتمد عليها الولايات المتحدة في إطلاق أقمارها الصناعية إلى الفضاء.
كذلك، حظر هبوط رحلات شركة «آيرولوفت» الروسية قد يستدعي من الروس حظراً مضاداً على مرور الرحلات الأميركية في الأجواء الإقليمية الروسية، إذ إن العديد من الرحلات الأميركية المتجهة إلى آسيا تمرّ بالأجواء الروسية.

الضرر حصل؟
قد تكون الموجة الأولى من العقوبات ذات تأثير «محدود إلى معتدل» إلّا أن هذه العقوبات «تظهر أن أوساط الأمن القومي الأميركي لا تزال قادرةً على تطوير سياسة المواجهة مع روسيا»، وفق ما اعتبر خبراء من مجموعة «أوراسيا غروب» الاستشارية المتخصصة في العلاقات الدولية.
مع ذلك، خفّض المستثمرون منذ الصباح رهاناتهم على الأصول الروسية، ليتراجع الروبل إلى أدنى مستوى له أمام الدولار منذ قرابة عامين، إضافةً إلى تراجع البورصة الروسية قبل تسجيل تحسن طفيف تدريجياً خلال النهار. أمس أيضاً، تأثّرت الأسواق المالية الروسية بعد نشر مقالات في الصحف الروسية أشارت إلى عزم البرلمانيين الأميركيين على استهداف الدين العام الروسي، إذ يثير مثل هذا الإجراء مخاوف كبرى لدى المستثمرين في روسيا منذ فرض أولى العقوبات على موسكو بعد انضمام شبه جزيرة القرم إليها عام 2014.
في الأثناء، أكّد وزير المال أنطون سيلوانوف أن الحكومة والبنك المركزي لديهما «كل الأدوات اللازمة لضمان الاستقرار المالي»، مشيراً إلى أن الاقتصاد الروسي أصبح «في السنوات الأخيرة أكثر مرونة لمقاومة الصدمات الخارجية».
من جهة ثانية، ووفق محللين في مصرف «ألفا» الروسي، فإن «العقوبات بحدّ ذاتها غير مدمرة، لكنها ستؤثر على رغبة المستثمرين وعلى الثقة للاستثمار في روسيا»، كما «قد تخفض الضغوط على إدارة ترامب لدعم العقوبات التي اقترحتها مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ على صلة بالتدخل المفترض في الانتخابات التي تنص على منع شراء الديون الروسية السيادية، وهذا ما قد يكون أكثر خطورة».