استجابةً لحملة صحيفة «ذي بوسطن غلوب»، تنشر نحو 200 مجموعة صحافية أميركية، اليوم، مئات المقالات الافتتاحية المعارِضة لهجمات الرئيس، دونالد ترامب، على الصحافة، بعدما دعاها الأخير بـ«عدو الشعب». لكن حملة «#لسنا_أعداء_أحد»، ورغم أهمية ما ترمز إليه في إطار حماية حرية التعبير وحقوق الصحافيين، يُخشى أن تكون لها تأثيرات معاكسة لمجرد وقوفها كندّ بوجه ترامب، لتبدو الحملة وكأنها تدعم، بطريقة غير مباشرة، صحة «ادّعاءاته».
أهداف الحملة
الهجوم المضاد الذي بدأت الصحافة الأميركية بشنّه، اليوم، تحت شعار «لسنا أعداء أحد» يأتي رداً على اتهامات ترامب لوسائل الإعلام بأنها لا تحمل سوى «الأخبار الكاذبة» بمجرد أن تنتقده أو لا تؤيد سياسته، ولتذكره بأن الدستور الأميركي يضمن حريتها تماماً. ولهذا السبب، قررت التنديد في افتتاحياتها بـ«هذه الحرب الوسخة على الصحافة الحرة»، وفق تعبير «ذي بوسطن غلوب»، التي اعتبر مجلس تحريرها في مقال نُشر أمس، أن «عظمة أميركا تعتمد على دور الصحافة الحرة في قول الحقيقة لأصحاب النفوذ. ووصم الصحافة بأنها عدو الشعب هو أمر غير أميركي، إذ يشكل خطراً على الميثاق المدني الذي نشترك فيه منذ أكثر من قرنين من الزمان».
الحملة سرعان ما انضمت إليها صحيفة «نيويورك تايمز»، التي غالباً ما تتعرّض لهجمات ترامب، وصحف أصغر بعضها في ولايات فاز فيها الأخير خلال الانتخابات الرئاسية عام 2016. وقال المسؤول التحريري في الصحيفة، جيمس بنيت، «في الفترة التي تتعرض فيها صحف البلاد لضغط فعلي تجاري وسياسي، نعتقد أنه من المهم أن تؤكد تضامنها».


حملة بوجه «الأكثر نفوذاً في العالم»
يعتبر المدافعون عن وسائل الإعلام أن هجمات ترامب المتكررة على الأخيرة، شجعت على تنامي المخاطر ضد الصحافيين، ويمكن أن تؤدي إلى قيام جوّ معادٍ يدفع إلى وقوع اعتداءات، مثل الاعتداء الذي استهدف «كابيتال غازيت» (Capital Gazette) في آنابوليس بولاية ميريلاند في نهاية حزيران/يونيو الماضي، وأسفر عن مقتل خمسة أشخاص.
من جانبٍ آخر، أفاد استطلاع أجرته مؤسسة «إيبسوس» أن 43% من الجمهوريين يعتقدون أنه يجب أن تكون للرئيس سلطة إقفال وسائل الإعلام «التي تتصرف بشكلٍ سيئ».
وهو موقف خطير يؤكد أهمية الحملة التي تقوم بها وسائل الإعلام، كما يشدد البروفسور في الصحافة في جامعة نورثايسترن، دان كنيدي، الذي قال إن «لهجة ترامب إزاء وسائل الإعلام تزداد سوءاً، ومن المفيد أن تؤكد الصحف مجدداً قيمها وأهمية المادة الأولى من الدستور بشكلٍ منسق».
في هذا الصدد، قال كين بولسون، رئيس التحرير السابق ليومية «يو أس إيه توداي» وأحد المسؤولين في متحف المعلومات في واشنطن «نيوزيوم»، «لا يمكن للصحافة أن تقف مكتوفة اليدين. عليها أن تدافع عن نفسها عندما يحاول الرجل الأكثر نفوذاً في العالم إضعاف المادة الأولى من الدستور». إلا أنه سعى إلى التقليل من فعالية هذه الخطوة، على اعتبار أن «الأشخاص الذين سيقرأون الافتتاحيات ليسوا بحاجة لمن يقنعهم. إنهم ليسوا الذين يصرخون ضد الصحافيين خلال الاجتماعات الرئاسية». وفي مقابل هذه الخطوة، رأى أنه على وسائل الإعلام مواجهة هجمات البيت الأبيض، عبر تطوير حملة «تسويق أوسع» للتشديد على أهمية الصحافة الحرة كونها من القيم الأساسية للبلاد.


تأثير معاكس
من جهة ثانية، ترى بعض الجهات والمؤسسات الإعلامية أن مبادرة اليوم يمكن أن تدفع أنصار الرئيس إلى التعبئة لدعمه، معتبرين أنها الدليل على انحياز وسائل الإعلام ضده.
وهي واحدة من المخاوف التي عبر عنها الحاكم الجمهوري السابق والمعلق في شبكة «فوكس نيوز»، مايك هاكابي، الذي اعتبر في تغريدة أن «وسائل الإعلام تشن هجوماً مدروساً أكثر من أي وقتٍ مضى ضد دونالد ترامب، وضدّ نصف البلاد من الذين يدعمونه».
كذلك، اعتبر الصحافي في «بوليتيكو»، جاك شيفر، المعروف بانتقاده لترامب، أن هذه الحملة «قد يكون لها تأثير معاكس (...)، فتقدم لترامب الدليل على أن الصحافة الوطنية تحشد بهدف وحيد هو الوقوف بوجهه». وهو موقف يبدو مشابهاً لموقف صحيفة «واشنطن بوست» التي لم تنضم إلى هذه الحملة، مع أنها تعارض ترامب بشدة
في رده، تحدث برينان عن قرار «يندرج في إطار رغبة أوسع لإلغاء حرية التعبير» (أ ف ب )

ترامب يلغي التصريح الأمني لمدير «سي آي إيه» السابق
ألغى ترامب التصريح الأمني الخاص بالمدير السابق لـ«سي آي إيه»، جون برينان، الذي كان أحد المستشارين المقربين من الرئيس السابق باراك أوباما. وهو التصريح الذي كان يسمح له بالاطلاع على معلومات حساسة. وفي بيان تلته أمس، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، ساره ساندرز، «تاريخياً كان يسمح لرؤساء أجهزة الاستخبارات وتطبيق القانون السابقين الاحتفاظ بإمكانية الوصول إلى معلومات سرية بعد انتهاء خدمتهم في الحكومة، حتى يمكنهم التشاور مع من يخلفهم». وبررت ساندرز قرار ترامب بـ«المخاطر التي تشكلها تصرفات برينان وسلوكه المنحرف»، والتي «تفوق أي فوائد يمكن أن يجنيها المسؤولون الكبار من مشاوراتهم معه».
وفي رده على ذلك، تحدث برينان عن قرار «يندرج في إطار رغبة أوسع لإلغاء حرية التعبير ومعاقبة الانتقادات». وفي تصريح لشبكة التلفزيون الأميركي «أم أس أن بي سي»، دان برينان «تجاوز السلطة» من جانب الرئيس الأميركي، قائلاً: «إذا أصبحت تصاريح السرية الدفاعية أداة بيد أفراد مثل ترامب، فهذا يشكل، كما أعتقد، رسالة مقلقة جداً للأعضاء الحاليين للحكومة، وربما للمسؤولين السابقين الذين ما زالوا يملكون هذه التصاريح، وللجيل المقبل للمحترفين في الاستخبارات والأمن القومي».