صعّدت تركيا، في اليومين الماضيين، مواقفها وتدابيرها بمواجهة الولايات المتحدة، لتفرض رسوماً جمركية مرتفعة على بعض البضائع المستوردة منها، في آخر فصول الأزمة المستمرة بين البلدين. في الأثناء، يبدو أن أنقرة مصمّمة على القتال حتى النفس الأخير، علماً بأنها لم تجد نفسها وحيدةً في نزاعها مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بل إن هذه الأزمة جمعت خلفها «أصدقاء»، في مقدّمتهم قطر، وصولاً إلى الأوروبيين. على صعيد حلّ أزمة الليرة، لن تلجأ تركيا إلى طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي، وفق ما أكد اليوم، وزير المالية التركي برات البيرق الذي شدد على أن بلاده ستخرج «أقوى» من أزمة تراجع العملة. وأوضح أن تركيا تركز بدلاً من ذلك «على الاستثمار الأجنبي المباشر».
يأتي ذلك بعدما عوّضت الليرة بعض خسائرها بعد اتخاذ الهيئات المسؤولة إجراءات تحدّ من إمكانية المضاربة بالعملة، فيما تحدّث البيرق اليوم عن أنه لن تكون هناك تنازلات بشأن الانضباط المالي، مؤكداً أن الهدف «خفض التضخم إلى ما دون 10 في المئة في أسرع وقت ممكن» وأن الإصلاحات الهيكلية ستكون أولوية. بدوره، أكّد متحدث باسم أردوغان أن «تركيا اتخذت إجراءات ضرورية في السوق المالي لحمايته من هجوم للمضاربين».

«أميركا ليست الشريك الوحيد»
بعد زيادة الرسوم الجمركية أمس، قررت تركيا زيادة ضريبة الاستهلاك الخاص المفروضة على البنزين والديزل، اليوم، في خطوة يُتوقع أن تقود إلى زيادة الأسعار في محطات الوقود نحو 9%، كما تقول مصادر في المجال.
أمس، رفعت تركيا بنحو كبير الرسوم الجمركية على عدد من المنتجات المستوردة من الولايات المتحدة، بموجب مرسوم وقعه الرئيس التركي، وبعد عقوبات بادرت بها الولايات المتحدة، قبل أسبوع.
المنتجات المستهدفة بالرسوم:
السيارات السياحية بنسبة 120 في المئة
بعض المشروبات الكحولية 140 في المئة
التبغ 60 في المئة
الأرزّ وبعض مساحيق التجميل

وفق وزيرة التجارة التركية، روهصار بكجان، ترتفع قيمة الرسوم الجمركية الجديدة التي أعلنت أمس إلى 533 مليون دولار، وأشارت إلى أن «الولايات المتحدة شريك تجاري مهمّ، لكنه ليس الوحيد». ووضع نائب الرئيس التركي، فؤاد أوكتاي، رسوم الاستيراد الجديدة في إطار «المعاملة بالمثل رداً على الهجمات المتعمدة للإدارة الأميركية على اقتصادنا».
بدوره، وصف البيت الأبيض العقوبات التركية بـ«المؤسفة». وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض ساره ساندرز إن «الرسوم الجمركية لتركيا هي بالتأكيد مؤسفة وخطوة في الاتجاه الخاطئ. إن الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على تركيا نابعة من مصالح الأمن القومي، في حين أن الرسوم التركية انتقامية».
صدر قرار زيادة التعريفات الجمركية غداة دعوة أردوغان إلى مقاطعة الإلكترونيات المصنعة في الولايات المتحدة، مثل ماركة «آبل». كذلك رفضت محكمة تركية، أمس، طلباً جديداً للإفراج عن القس الأميركي، لكن محاميه قال لوكالة «فرانس برس» إن محكمة أخرى ستنظر في طلب موكله.
يأتي ذلك بعدما سجلت الليرة التركية انهياراً غير مسبوق بعيد فرض الولايات المتحدة الأميركية رسوماً جمركية على أنقرة، وعقوبات على مسؤولين فيها، رأتها صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية في افتتاحيتها أمس أنها عقوبات بمكانها، ولكنها ليست كافية. ورأت الصحيفة أن المشكلة في عقوبات ترامب هي تركيزها فقط على قضية القس برانسون، في حين أن على الولايات المتحدة المطالبة بالإفراج عن 20 مواطناً أميركياً محتجزين هناك. وانتقدت «واشنطن بوست» طبيعة العقوبات، إذ رأت أن استخدام زيادة الرسوم الجمركية كأداة سياسية «خرق للقانون الدولي»، لذلك كان يجب أن «تمدد العقوبات على أشخاص معنيين بخروقات لحقوق الإنسان، وأن توقف تسليم طائرات أف 35 كما أوصى الكونغرس».

«تركيا ليست وحيدة»
كتب رئيس تحرير صحيفة «حرييت»، مراد يتكين، اليوم، أن «تركيا ليست وحيدة» في أزمتها مع الولايات المتحدة، وأن عدد أصدقائها قد ازداد بفضل سياسات ترامب.
أردوغان: تركيا ستبحث عن أصدقاء وحلفاء جدد(أ ف ب )

أوضح يتكين أنه لولا ردّ فعل ترامب المبالغ فيه على احتجاز القس أندرو برانسون، لدرجة «تهديد» لقمة عيش الناس في تركيا، لما أدرك «الشعب التركي حقيقة بأنه ليس وحيداً في هذا العالم كما آثر قادتهم على إخبارهم». تابع يتكين أن هؤلاء الأصدقاء وجدوا فرصة لانتقاد سياسات ترامب التي تزعج عدداً من الاقتصادات في العالم، من الصين إلى الاتحاد الأوروبي. ولا يقتصر هذا «التكتل» بمواجهة استخدام ترامب للقوة الاقتصادية الأميركية كأداة سياسية على تركيا وروسيا وإيران والصين، بل إن حلفاءه الأوروبيين في «حلف شمال الأطلسي» مثل إيطاليا وألمانيا، بدأوا بالتكتل إلى جانب تركيا.
في السياق نفسه، كان أردوغان قد حذّر في وقتٍ سابق، الأسبوع الماضي، من أن تركيا ستبحث عن «أصدقاء وحلفاء جدد... إلّا إذا بدأت واشنطن في احترام سيادة تركيا». وتابع قائلاً إنّ «من الخطأ التجرؤ على تركيع تركيا من خلال التهديدات بسبب القس»، متوجهاً إلى ترامب، وأضاف: «عار عليك، عار عليك. أنت تستبدل قسّاً بشريك استراتيجي في حلف شمال الأطلسي».

استعادة الصلة مع أوروبا
في إشارة إلى أن الأزمة مع واشنطن قد تشجّع أنقرة على استعادة صلاتها بأوروبا، تشاور أردوغان هاتفياً، أمس، مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل على أن يلتقيها نهاية أيلول/سبتمبر في برلين، فيما قد يجري لقاء «في الأيّام المقبلة» بين وزير الاقتصاد التركي برات البيرق صهر أردوغان، ووزيري الاقتصاد والمال الألمانيين.
كذلك، أكّد مصدر رئاسي تركي أن أردوغان ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تحدثا بالهاتف اليوم، حيث شددا على أهمية تطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية وتعزيز الاستثمار الثنائي. أضاف المصدر أن الزعيمين اتفقا على أن يلتقي وزيرا مالية البلدين قريباً، وقال إن ماكرون أبلغ أردوغان أن استقرار الاقتصاد التركي مهم لفرنسا.
وفي بادرة حسن نية تجاه أوروبا، أصدرت محكمة تركية مساء الثلاثاء على نحو غير متوقع، قراراً بالإفراج عن جنديين يونانيين كانا قد اعتقلا في آذار/مارس على الحدود، وأدى احتجازهما إلى توتر شديد في العلاقات بين أنقرة وأثينا. كذلك اتُّخذ أمس قرار بالإفراج عن رئيس منظمة العفو الدولية في تركيا.

قطر تهبّ للإنقاذ
وعد أمير قطر، تميم آل ثاني، أمس، باستثمارات مباشرة في تركيا بقيمة 15 مليار دولار خلال اجتماع عقده مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس، في أنقرة، في خطوةٍ لدعم الاقتصاد التركي بعد الأزمة الدبلوماسية مع واشنطن.
قالت الرئاسة التركية إنه خلال لقائه أردوغان، أكد الأمير أن «قطر ستضع سريعاً برنامج استثمار بقيمة 15 مليار دولار في تركيا»، فيما شكر أردوغان الأمير وشعب قطر «لوقوفهم إلى جانب تركيا».
وعد أمير قطر باستثمارات مباشرة في تركيا بقيمة 15 مليار دولار(أ ف ب )

حضر الاجتماع بين أردوغان والشيخ تميم في أنقرة وزير المالية التركي برات البيرق ونظيره القطري علي شريف العمادي.
بدوره، غرد المتحدث باسم الرئاسة التركية، ابراهيم كالين، قائلاً إن «أسس الاقتصاد التركي متينة وتركيا ستخرج أقوى من هذه المرحلة». أضاف أن «العلاقات بين تركيا وقطر تقوم على أسس صلبة من الصداقة والتضامن الفعليين».
سجل تقارب كبير بين قطر وتركيا منذ بدء الأزمة الدبلوماسية بين الدوحة وعدد من جيرانها العرب في مقدمهم السعودية، علماً بأن للدوحة أيضاً علاقات وثيقة بالولايات المتحدة.
في الأيام الأخيرة، أطلق مؤيدون لتركيا في قطر حملة لتحويل ما يملكونه من الريالات القطرية إلى الليرة التركية دعماً لهذه العملة. ولتأكيد العلاقات بين البلدين، كان الأمير القطري الشيخ تميم أول زعيم أجنبي يتصل بأردوغان خلال الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016. كذلك تحافظ تركيا على قاعدة عسكرية في قطر.