عبارة الرئيس الفرنسي تشير إلى تغيّر تاريخي في العلاقة بين أوروبا والولايات المتحدة، وتُناقض كلامه خلال زيارته البيت الأبيض في نسيان الماضي، عندما أشار إلى «الروابط العميقة والقديمة بين فرنسا والولايات المتحدة... في كل مرة تعرضنا فيها لتهديد كنا نقف جنباً إلى جنب».
وتعليقاً على مواقف ماكرون الأخيرة، كتب أستاذ الشؤون العالمية في مركز «هنري ألفريد كيسنجر»، هال براندز، أن «فكرة السيادة الأوروبية التي تعني تحمّل أوروبا قدراً أكبر من المسؤولية في أمنها الخاص ليست بالأمر السيئ»، مضيفاً أنه «مع ذلك، الحقيقة القاسية هي أن الأوروبيين الذين سئموا من الاعتماد على واشنطن التي لا يمكن الاعتماد عليها بشكل متزايد ــــ قد بدا ذلك جلياً بعد قمة حلف شمالي الأطلسي (الناتو) الأخيرة ــــ ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، على الأقل في المدى القصير».
دعا ماكرون بروكسل لبناء علاقات استراتيجية دفاعية مع موسكو
وبدت تصريحات ماكرون الأخيرة «مألوفة»، إذ سبقته المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل ــــ حتى قبل تنصيب ترامب عام 2016 ــــ عندما أعلنت أن على الأوروبيين أن يأخذوا «مصيرهم بأيديهم». والأسبوع الماضي خرج موقف شبيه على لسان وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس، انتقد العقوبات التي تفرضها واشنطن على شركاء الاتحاد الأوروبي التجاريين، مشيراً إلى أن هذه الخطوة «تجبر أوروبا على الرد على هذه الإجراءات». وقال ماس خلال المؤتمر السنوي المنعقد لرؤساء البعثات الدبلوماسية الألمانية في الخارج، إن «سياسة عقوبات واشنطن تدفعنا إلى اتخاذ تدابير أوروبية، إذ إن فرض عقوبات غير محددة على روسيا والصين وتركيا وغيرها من شركائنا التجاريين يؤثر كثيراً في أوروبا وألمانيا». لكنه لم يكشف عن الإجراءات التي من الممكن أن تتخذها القارة العجوز كرد على سياسة العقوبات الأميركية، لكنه أشار إلى أن «انتخاب دونالد ترامب... أظهر في أوروبا أنهم لا يعرفون أميركا بقدر ما كانوا يعتقدون». مع ذلك، وصف براندز كلام الوزير الألماني عن الدعوة إلى «أوروبا مستقلة استراتيجياً عن، وربما تعمل في معارضة، الولايات المتحدة»، بأنها «تمثل استراحة مثيرة»!
وبينما تتشارك فرنسا مع ألمانيا في الدعوة إلى مزيد من «التعاون الدفاعي» القاريّ، ليس من الواضح هل سيؤيد الأعضاء الجدد في الكتلة في أوروبا الشرقية هذه الدعوة، لأنه باستثناء فرنسا وبريطانيا، عاش جميع الأعضاء الأوروبيين في «حلف الأطلسي» تحت المظلة النووية التي قدمتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. كما أنّ «الناتو» والولايات المتحدة يحظيان بأهمية خاصة للأعضاء الجدد مثل بولندا ودول البلطيق التي دعت إلى زيادة وجود الحلف في بلدانهم منذ ضم روسيا شبه جزيرة القرم في أوكرانيا عام 2014.
ومنذ تولي ترامب منصبه، ترنّح الرجل بين انتقاد «الناتو» والتعهد بالتزام التحالف، وذلك في الوقت الذي يمارس فيه الضغط على الحلفاء الأوروبيين لزيادة إنفاقهم الدفاعي إلى ما لا يقل عن 2% من إنتاجهم الاقتصادي. يُذكر أن العديد من الأعضاء في شرق أوروبا يحققون هذا الهدف بالفعل، لكن الرئيس الأميركي خص برلين بالانتقاد، رغم أن الأخيرة أعلنت خططاً لزيادة إنفاقها العسكري إلى 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2025.
يشار إلى أنه في إطار الجهود الرامية إلى تحسين الأوروبيين دفاعهم، كانت المتحدثة باسم المفوضة الأوروبية للسياسة الخارجية، فيديريكا موغيريني، قد أعلنت أن بروكسل قد «اتخذت بالفعل خطوات حاسمة لبناء الأمن والدفاع الأوروبيين في السنوات الأخيرة»، بما في ذلك «تطوير صندوق دفاع مشترك وخلية تخطيط جديدة لمهمات الاتحاد العسكرية حول العالم». وفي تشرين الثاني الماضي، أطلقت دول الاتحاد الأوروبي رسمياً حقبة جديدة في التعاون الدفاعي مع برنامج للاستثمار العسكري المشترك وتطوير المشاريع. ووقعت 23 دولة من أصل 28 عضواً في الاتحاد على هذه العملية المعروفة باسم التعاون «PESCO».