اختارت إيران توقيتاً لافتاً لتنفيذ ضربتها الصاروخية على مواقع «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الإيراني، تتقاطع عنده جملة خلفيات. الأولى، الكباش مع الخارج وتجديد واشنطن سياسة الحصار والعقوبات، والتي من ضمنها مخاوف إيرانية عالية المستوى بشأن تفعيل الأجهزة الأميركية والسعودية الدعم لمختلف الحركات الانفصالية داخل حدود إيران. الثانية، توقيت ميداني، بالتزامن مع الضغط الأميركي، فَرَضه تفعيل المجموعات الكردية الانفصالية شمال غرب إيران لتحركاتها العسكرية، والتي أدّت في الأيام الماضية إلى سقوط خسائر في صفوف الحرس الثوري، الذي توعّد وقتها بالرد. ثالثاً، توقيت عراقي حيث الساحة المشتعلة، والتدخلات الأميركية المكثفة لضرب حلفاء إيران ومصالحها، في ظلّ اتهامات لواشنطن بتحريك مجموعات على الأرض قد تكون وراء حرق القنصلية الإيرانية في البصرة، قبل ساعات من الهجوم الإيراني.إلا أن الهجوم الذي نفّذه الحرس الثوري الإيراني على منطقة واقعة داخل إقليم كردستان العراقي بدا أقرب إلى عملية مدروسة بعناية بعد رصد مُطوَّل؛ إذ استهدف مركزاً حساساً للمجموعات الكردية الانفصالية كانت بداخله قيادات رفيعة من تلك المجموعات. هذا على الأقل ما أشار إليه بيان الحرس الثوري الذي تأخّر في الإعلان عن العملية يوماً واحداً، ليعود ويؤكد مسؤوليته عن إطلاق سبعة صواريخ من قِبَل «الوحدة الصاروخية» التابعة لـ«قوة الجو ــ فضائية»، بمشاركة من الطائرات المُسيّرة التابعة للقوة البرية. وأشار بيان الحرس إلى أن الهجوم استهدف «معاقل واحدة من الجماعات البغيضة الإجرامية، واجتماعاً لقادتهم، ومركز تدريب الإرهابيين المنتسبين إليها، باستخدام سبعة صواريخ أرض ـــ أرض قصيرة المدى». وبحسب البيان، أدى الهجوم إلى «تدمير مركز لتخطيط المؤامرات ضد الأمن القومي الإيراني، إضافة إلى مقتل وإصابة العشرات من القادة والعناصر الرئيسيين التابعين لهذه الزمرة الإرهابية».
تؤكد طهران من خلال العملية عدم تسامحها مع تفعيل العمل الانفصالي


وعبر العملية غير المسبوقة (منذ عملية دير الزور ضد «داعش»)، والتي عرضها «الحرس» في شريط مصور، تكون طهران قد أكّدت عدم تسامحها مع تفعيل العمل الميداني الانفصالي في هذا التوقيت الحسّاس، والمتناغم مع ضغوط الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، خصوصاً عبر عدم تجنّب الخطوط الخلفية للميليشيات الكردية، والضغط على أربيل لعدم التورّط في أي مشروع مضادّ، وتجنّب احتضان تلك المجموعات. وهو ما شدّد عليه البيان من خلال مطالبة سلطات إقليم كردستان العراقي بـ«تعزيز إجراءاته لمراقبة الحدود المشتركة»، مُهدّداً بتكرار الرد إذا استأنف التنظيم الكردي عملياته في محافظات آذرايجان الغربية وكردستان وكرمانشاه الإيرانية.
واعترف مسؤول العلاقات في «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الإيراني، سوران نوري، بحسب ما نقلت عنه وكالة «فرانس برس»، بمقتل ستة قياديين في التنظيم، إلى جانب 9 عناصر، وإصابة 35 بجروح بينهم خمسة بحال حرجة. يشار إلى أن مسؤولاً في التنظيم الكردي كان قد أوضح أن صواريخ إيرانية سقطت على مقرّ الحزب «أثناء انعقاد مؤتمره»، في منطقة كويسنجق (60 كلم شرق أربيل) بين أربيل والسليمانية. وأشارت المعلومات إلى أن من بين الجرحى الأمين العام الجديد للتنظيم مصطفى مولودي، وكذلك سلفه خالد عزيزي.
واستنكر رئيس إقليم كردستان، مسعود برزاني، في بيان هادئ، الهجوم، مطالباً في الوقت نفسه «كافة الأطراف بأن لا تُحوِّل إقليم كردستان إلى ساحة للصراع، لأن الإقليم نفسه يواجه مشاكل وتحديات وتهديدات كبيرة». وأضاف برزاني: «أرى من الضروري هنا أن أعلن لجميع الأطراف بأن قضية الشعب الكردي لا تُحلّ بالعنف والقتل والقصف، وأن الطرق والأساليب السلمية هي أفضل الحلول لجميع المشاكل». ورفضت الحكومة العراقية، بدورها، العملية الإيرانية، وشدّد المتحدث باسم الخارجية أحمد محجوب على أن العراق الذي يحرص «على أمن جيرانه، ويرفض استخدام أراضيه لتهديد أمن تلك الدول، فهو يرفض رفضاً قاطعاً خرق السيادة العراقية... من دون تنسيق مسبق».
وعسكرياً، سجّل متابعون للشؤون العسكرية أن الضربة الصاروخية الإيرانية استُخدمت فيها صواريخ «فاتح 110» الباليستية، لكن ليس بنسختها الأحدث لدى القوات الإيرانية. كذلك، فإن الصواريخ بلغت أهدافها بدقة، حيث سقطت في نقاط متقاربة جداً، وهو ما سيرصده المعنيون من المراقبين، لا سيما أميركياً، على أنه نجاح للبرنامج الصاروخي الإيراني، ويُقرأ كرسالة لتأكيد فعالية الترسانة الباليستية الإيرانية، وقدرتها على الوصول إلى الأهداف بدقة عالية، مع قدرة تدميرية جدّية.