نجحت جماعات الحقوق المدنية في بريطانيا في تحقيق انتصار جزئي مع إصدار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان قراراً ينص على اعتبار برنامج مراقبة البيانات الذي تديره الحكومة البريطانية، انتهاكاً للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، في تحدٍّ قويّ لشرعية ممارسات المراقبة الجماعية البريطانية، وفي حكم يعدّ أحد التقويمات الأكثر شمولاً من جانب المفوضية الأوروبية لحقوق الإنسان حول قانونية عمليات الاعتراض التي تديرها وكالات الاستخبارات البريطانية. أكدت المحكمة، بعد النظر في قضية رفعتها جماعات حقوقية مقرها بريطانيا، أن نظام الاعتراض البريطاني ينتهك مادة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تحمي حق «احترام اتصالات الحياة الخاصة والحياة الأسرية». ووفق الحكم، فإن لندن نفذت تلك الإجراءات دون ضمانات حقيقية تُطبق على اختيار بيانات الاتصالات الخاضعة للتحليل، رغم أن تلك المعلومات قد تكشف الكثير عن عادات الناس واتصالاتهم. وقضت المحكمة بعدم وجود رقابة كافية بشأن اعتراض الاتصالات من قبل الحكومة البريطانية، كما وجدت أنّ المملكة المتحدة لم تتصرف وفقاً للقانون للحصول على البيانات من مقدّمي الخدمات.
وفق صحيفة «ذي غارديان»، فقد نظر القضاة في الشكاوى المتعلقة بثلاثة أنظمة مراقبة مختلفة: الاعتراض الجماعي للاتصالات المعروف أيضاً باسم «المراقبة الجماعية»، وتبادل المعلومات الاستخبارية مع الحكومات الأجنبية، والحصول على بيانات الاتصالات من مقدمي خدمات الاتصالات. ووجد القضاة أن نظام الاعتراض المُدار من قبل الحكومة البريطانية ينتهك المادة 8 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تضمن الخصوصية، لكن نظام تبادل المعلومات مع الحكومات الأجنبية الذي تديره حكومة المملكة المتحدة لم ينتهك المادة 8 أو المادة 10.
كذلك، تضمّن الحكم الرئيسي ملاحظات؛ أبرزها اعتراف المحكمة بمدى خطورة تهديدات الإرهاب والانتهاكات وغيرها من الجرائم التي تواجهها الدول الأوروبية. وأشار القضاة إلى أن التطور في التكنولوجيا جعل من السهل على الإرهابيين والمجرمين التخفّي، ولذلك قد تكون أنظمة الاعتراض الجماعي قانونية، إذا اعتبرت البلدان أنها ضرورية لمصلحة الأمن القومي، ولكن هناك حاجة إلى بعض الضمانات الدنيا. تشمل هذه الضمانات ضرورة إشارة القانون إلى طبيعة الجرائم التي قد تؤدي إلى أمر اعتراض وتعريف فئات الأشخاص الذين يحتمل اعتراض اتصالاتهم والحد من مدة الاعتراض، والإجراء الواجب اتباعه لفحص البيانات التي تم الحصول عليها واستخدامها وتخزينها، بالإضافة إلى الاحتياطات الواجب اتخاذها عند توصيل البيانات إلى أطراف أخرى والظروف التي يمكن أو يجب فيها تدمير البيانات التي تم اعتراضها أو حجبها. في المقابل، اعتبر الحكم أن أجهزة الاستخبارات البريطانية تلتزم بمواثيق حقوق الإنسان «بشكل جدّي، ولا تسيء استخدام سلطاتها».

سنودن على حقّ!
أشادت جماعات حقوق الإنسان التي أثارت القضية بقرار المحكمة، معتبرة أنه قرار مهم في وجه المراقبة الجماعية. وقال مدير منظمة «بيغ بروذر ووتش»، سيلكي كارلو، إن الحكم «يثبت صحة المعلومات التي قدّمها إدوارد سنودن بشجاعة»، مضيفاً أنه «تحت ستار مكافحة الإرهاب، تبنّت المملكة المتحدة نظام المراقبة الأكثر استبداداً بين الدول الغربية، مقوضةً بذلك الديموقراطية نفسها وحقوق الشعب البريطاني». في السياق نفسه، رأت المحامية، ميغان غولدينغ، من منظمة «ليبرتي»، أن الحكم يعدّ «انتصاراً كبيراً لحقوق الناس وحريتهم في المملكة المتحدة، إذ يُظهر أن هناك حدوداً لإمكانية تجسّس الدول على مواطنيها»، مشيرةً إلى أنه بالرغم من «أن أجهزة الشرطة والاستخبارات تحتاج إلى سلطات مراقبة للتعامل مع التهديدات التي نواجهها اليوم، إلا أن المحكمة قضت بأن تلك التهديدات لا تبرر التجسّس على كل مواطن دون حماية كافية».
تعتبر هذه القضية آخر تحدٍّ قانوني للمملكة المتحدة في فضيحة تجسس طال أمدها، بعد الكشف الذي أدلى به إدوارد سنودن، وهو متعاقد تقني وموظف سابق في وكالة الأمن القومي الأميركية، أعاد الجدل حول الخصوصية مقابل الأمن عبر ما كشف عنه من معلومات عام 2013. كان إدوارد سنودن قد كشف أن المقر الرئيسي للاتصالات الحكومية في المملكة المتحدة اعترض بيانات حول اتصالات ملايين الأشخاص وعالجها وخزّنها، إذ كان يستعين في إحدى العمليات المسماة «تيمبورا» بالكابلات وبشبكات الاتصالات للحصول على كميات هائلة من بيانات الإنترنت. ويشير حكم المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى أن سلطات المملكة المتحدة لم تؤكد أو تنفِ وجود عملية اسمها «تيمبورا».