لندن | بات موعد الانفصال على بعد أشهر قليلة من اليوم، فيما لم تتمكّن رئيسة الحكومة البريطانية، تيريزا ماي، من احتواء الخطأ التاريخي الذي ارتكبه رئيس الحكومة السابق، ديفيد كاميرون، عندما دعا إلى الاستفتاء الذي فَرَض على «حزب المحافظين» الحاكم التعامل مع التبعات الاقتصادية والسياسية للخروج من الاتحاد، وأدّى إلى انقسام في داخل الحزب الحاكم ما بين مجموعة تدعم «بريكست» حازم من دون مفاوضات على رأسها وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، ومجموعة أخرى تترأسها ماي مع التفاوض والبقاء في السوق الأوروبي. وَعَد داعمو «بريكست» الشعب الذي صوّت في استفتاء لم يفهم معناه بأن الخروج سيوفر على بريطانيا تكاليف باهظة تتحمّلها لقاء بقائها في الاتحاد، إضافة إلى وعود بأن الخروج سيؤمن وظائف أكثر للإنكليز نتيجة التحكّم في الهجرة، في حين يبدو أن النتيجة سوف تكون خروج بريطانيا من السوق الموحّد، وتوجّهها اقتصادياً أكثر فأكثر نحو الولايات المتحدة، ما معناه بطبيعة الحال المزيد من «التحرر» من معايير الاتحاد المتعلقة بجودة السلع والخدمات، إضافة إلى المزيد من الخصخصة التي غالباً ستنال من الخدمة الصحية الوطنية التي ما فتئ «المحافظون» يعبّرون عن رغبتهم في حلّها وخصخصة الصحة في البلاد منذ أيام مارغريت ثاتشر.
رئيس الاتحاد الاوروبي، جون كلود جانكر، أعلن أنه لا يوجد قابلية بأي شكل من الأشكال لتبقى بريطانيا في السوق الموحد للاتحاد، على رغم كل المحاولات البريطانية لتحقيق ذلك خلال المفاوضات. وإذ عبّر عن رغبة الاتحاد في الوصول إلى اتفاق قبل موعد الخروج، إلا أنه رفض فكرة إعطاء بريطانيا امتيازات البقاء في السوق من دون بقائها في الاتحاد.
من جهتها، نشرت الحكومة البريطانية، صباح أمس، على موقعها الرسمي، مستندات تُفصِّل التبعات القانونية والتنظيمية التي ستقع على المواطنين والشركات البريطانية في معاملاتها مع أوروبا، في حال لم يتوصل الطرفان إلى اتفاق. وتراوحت مضامين المستندات بين قوانين متعلقة بتفاصيل، كاحتياج البريطانيين إلى رخصة قيادة دولية تسمح لهم بالقيادة في أوروبا، أو منعهم من السفر إلى أوروبا من دون «شنغن»، وتغيرات في القوانين التنظيمية المتعلقة بالتجارة وآليات تقييم المنتجات البريطانية التي ستباع في الأسواق الأوروبية مقابل المنتجات التي سوف تباع محلياً، إضافة إلى مصير قوانين متعلقة بالتزام بريطانيا باتفاقيات حماية البيئة.
وعلّق وزير الظلّ لـ«بريكست»، كير ستيرنر، على ما ورد في المستندات، بالقول إنه لا تملك الحكومة البريطانية أي «خطة موثوقة» في حال لم يتمّ التوصل إلى اتفاق، مُذكِّراً بأنه لم يتبقَّ أمام المملكة سوى 200 يوم قبل موعد «بريكست»، وأن «على الحكومة التخطيط للتفاوض على صفقة جيدة لبريطانيا، وليس التخطيط للفشل أو إلقاء اللوم على الشركات بسبب فوضى الحكومة». واعتبر ستيرنر أن «السبب الوحيد وراء حديث الحكومة عن عدم التوصل إلى اتفاق هو أن حرب المحافظين الأهلية على أوروبا تمنع رئيس الوزراء من التفاوض على صفقة جيدة».
ولعلّ أهم ما ورد في المستندات هو أنه في حال لم يتمّ التوصل إلى اتفاق، سيتوقّف الاتحاد عن قبول التقييم الصادر عن بريطانيا لمنتجاتها في حال كانت ستباع في السوق الأوروبي، ما يعني أن الأخيرة لم تعد مضطرة إلى الالتزام بالمعايير الأوروبية عندما يتعلق الأمر بالمنتجات التي تباع في السوق البريطاني. وهو ما يتناسب مع مصالح الشركات الأميركية التي لا تحبّذ الالتزام بأي معايير تتعلق بالجودة والصحة. وبحكم أن ترامب رحّب بخروج بريطانيا من الاتحاد، ووَعَد بأن تُقدّم الولايات المتحدة عروضاً باتفاقيات تجارية تفتح السوقين الأميركي والبريطاني أحدهما على الآخر، يمكن القول إنه في حال تم «بريكست» من دون اتفاق، فستجد بريطانيا نفسها في حاجة ماسّة إلى اتفاقات كهذه، ستكون نتيجتها تدنّي جودة المنتجات الغذائية البريطانية إلى المستوى الذي يحبّذه السوق الأميركي، كما ستكون أمام ضغوطات لم تَرَ مثلها من قبل لخصخصة المجال الصحي وحلّ الخدمة الصحية الوطنية. بمعنى آخر، ستكون ماي قد حقّقت بذلك حلم تاتشر.