على وقع ضغوط «بريكست» والتشكيك في قدراتها القيادية، سعت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أمس، إلى استعادة زمام المبادرة عبر دعوتها حزب «المحافظين»، الذي يعقد مؤتمره السنوي، إلى «توحيد الصف» ودعم خطتها للخروج من الاتحاد الأوروبي. وفي اليوم الأول من المؤتمر، الذي يستمر على مدار أربعة أيام في مدينة برمينغهام، شددت ماي على أنه يمكن الوثوق بها للتوصل إلى اتفاق جيد حول «بريكست»، مؤكدة أن خطتها التي تعرف باسم «خطة تشيكرز»، وتدعو إلى إقامة علاقة تجارية وثيقة مع الاتحاد الأوروبي عبر إبقاء القواعد المشتركة، هي «الاقتراح الأفضل والوحيد الصادق». وكتبت ماي في رسالة موجهة إلى المشاركين: «سنحترم القرار الذي اتخذ (من قبل البريطانيين): مغادرة الاتحاد الأوروبي واستعادة السيطرة على أموالنا وقوانيننا وحدودنا».وجاء ذلك في وقت تتعرض فيه رئيسة الوزراء لهجوم عنيف من داخل حزبها وخارجه، ولا سيما من قبل «حزب العمّال»، وذلك قبل ستة أشهر من الموعد المحدد لـ«بريكست». وسبّب رفض القادة الأوروبيين لخطة ماي أخيراً، اتساع الفجوة داخل حزب «المحافظين» الذي تعصف به انقسامات حول الاستراتيجية التي يجب اتباعها في ملف «الخروج»، وسط تصاعد الأصوات المطالبة بقطيعة كاملة وواضحة مع المفوضية الأوروبية.
رئيسة الوزراء باتت «تحت رحمة تمرّد نوابها»


فقبل يومين من المؤتمر، انتقد وزير الخارجية السابق بوريس جونسون، في مقال نشره في صحيفة «تلغراف»، «خطة تشيكرز» واقترح التفاوض على اتفاق للتبادل الحر. ورأى أن خطة ماي «إهانة أخلاقية وأدبية» و«كارثية»، معتبراً «أنها تجبر المملكة المتحدة على مواصلة القبول بقوانين الاتحاد الأوروبي وقواعده ورسومه (...) دون أن تكون لها كلمة في الأمر». والموقف نفسه عبّر عنه النائب جاكوب ريس موغ، ووزير «بريكست» السابق ديفيد ديفيس، اللذان يدافعان عن اتفاق للتبادل الحر مثل الاتفاقية التي وقعت بين الاتحاد الأوروبي وكندا.
من جهته، قال النائب مارك فرنسوا، وهو عضو في «مجموعة البحث الأوروبي» (European research group) المؤيدة لـ«بريكست»، إنه «كان من الأفصل أن تلتفت ماي إلى اتفاق للتبادل الحر بدلاً من عرض اقتراحها على مجلس العموم ومواجهة هزيمة»، مشيراً إلى أن رئيسة الوزراء باتت «تحت رحمة تمرد نوابها».
ومع اقتراب القمة الأوروبية التي ستعقد في 18 و19 تشرين الأول/ أكتوبر، ليس واضحاً بعد التغييرات التي ستقوم بها ماي على خطتها، في حين أن من المتوقع أن تكشف عن بعض التفاصيل الجديدة في بيانها الختامي الأربعاء المقبل. وحتى اللحظة، تستبعد ماي اتفاقاً للتبادل الحر، معتبرة أنه لن يسمح ببقاء حدود مفتوحة بين جمهورية ايرلندا ومقاطعة ايرلندا الشمالية البريطانية.

تكاليف باهظة وتشاؤم شعبي
وتزامناً مع افتتاح المؤتمر السنوي، أظهرت دراسة نشرت أمس، أن قرار الانسحاب من الاتحاد الأوروبي كلّف الحكومة 500 مليون جنيه استرليني (650 مليون دولار) أسبوعياً.
وقال «مركز الإصلاح الأوروبي»، وهو مجموعة موالية لأوروبا تُعنى بالأبحاث المتعلقة بالاتحاد الأوروبي، إن الاقتصاد البريطاني حالياً أصغر بنحو 2.5% عمّا كان سيكون عليه لو وافق الناخبون البريطانيون على البقاء في الاتحاد الأوروبي، في الاستفتاء الذي أجري في حزيران/ يونيو عام 2016.
واستندت النتائج إلى تأثيرات القرار في الاقتصاد حتى نهاية حزيران/ يونيو عام 2018. وتقلصت المالية العامة للدولة بواقع 26 مليار إسترليني سنوياً بما يوازي 500 مليون أسبوعياً والرقم في ازدياد، وفق المركز.
وعلى الرغم من تصويت غالبية البريطانيين لمصلحة قرار الخروج، كشف استطلاع حديث للرأي في بريطانيا أن غالبية المواطنين يرون أن تداعيات خروج المملكة من الاتحاد الأوروبي ستكون أسوأ مما توقعوه قبل عامين.
وأظهرت نتائج الاستطلاع التي نشرتها شبكة «سكاي نيوز» التلفزيونية، أول من أمس، أن 56% من البريطانيين يرون أن تداعيات الخروج ستكون «أسوأ» مما كان متوقعاً، مقابل 9% فقط توقعوا أن ينتهي الخروج بصورة أفضل، فيما لم يغير 26% رأيهم منذ إجراء الاستفتاء صيف 2016.
(الأخبار، أ ف ب)