هل يسلَم جايمس ماتيس من الإقالة؟ قبل عام، لم يكن هذا السؤال مطروحاً، ولكنه في إدارة تخضع لسلطة رئيس مثل دونالد ترامب، لم ولن يكون ضرباً من الخيال. وعلى الرغم من التأكيدات المتبادلة بين البيت الأبيض والبنتاغون، بأن وزير الدفاع الحالي باقٍ في منصبه، تستحق فرضية مغادرته التوقّف عندها، واستحضار تسريبات ووقائع قد تكون لمصلحة إقالته، في وقت قريب.يبدو أن التحصينات التي أحاط ماتيس نفسه بها كي يبقى في منصبه، لم تنفعه. ها هو يروّج لدعم ترامب له، وقد يُنظر إلى تصريحاته الرافضة لفكرة مغادرته، بأنها نوع من استعطاف غير مباشر، بعدما آثر منذ تبوّئه منصبه الابتعاد عن الأضواء والتقليل من الكلام، على أمل أن لا يفتح المجال أمام تأويلات تؤخذ ضدّه وتؤلّب عليه رئيساً أسهل ما عنده الطرد والإقالة، لأسباب قد لا تبدو مفهومة أو منطقية، فضلاً عن كونها شخصية في أحيان كثيرة.
عدم استفزاز ترامب، بحدّ ذاته، يعدّ إنجازاً سياسياً في الإدارة الأميركية الحالية، وقد تمكّن ماتيس من تحقيقه، بالتوازي مع الحفاظ على نوع من الاستقلالية، أمام رئيس يطلب الولاء المُطلق. ولكن ذلك لا يعني أن الأمور بينه وبين رئيسه في أفضل أحوالها. التقارير والتسريبات عن بدء تصدّع العلاقة بين الرجلين، وجدت طريقها إلى الإعلام في حزيران الماضي، عندما كشفت شبكة «ان بي سي نيوز» عن إبعاد ماتيس عن الدائرة المقرّبة من الرئيس. حينها، أشارت إلى أن عزل ماتيس بدأ، منذ شهر أيار، عندما أعلن ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، من دون أن يُخبر وزير دفاعه، أو يأخذ بنصيحته.
ثمّ بدأ نهج ترامب في التعامل مع ماتيس ينطلق في مسار علني مشابه لذاك الذي اتخذه مع وزير الخارجية السابق ريكس تيلرسون. برز الخلاف الذي سلّط الضوء على موقف ماتيس الهش في علاقته مع الرئيس، في آب الماضي، عندما أعلن وزير الدفاع أن ليس لديه أي «خطط» لإلغاء التدريبات العسكرية مع القوات الكورية الجنوبية. تصريح لم يلبث أن ووجه بتوبيخ عالي النبرة من دونالد ترامب.
قد يبقى الجدل بشأن مصير ماتيس إلى ما بعد انتخابات الكونغرس


«لا يوجد سبب في هذا الوقت، ليُنفق مبلغ كبير من المال على ألعاب الحرب المشتركة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية»، ردّ ترامب في اليوم التالي، عبر تغريدة على «تويتر» صُنّفت بأنها «بيان من البيت الأبيض». إذاً، هو أكد بذلك أن الرئيس وحده يمكنه أن يبدأ التدريبات، التي أوقفها بعد قمّته التي عقدها في حزيران مع زعيم كوريا الشمالية كيم جونغ أون. على الرغم من ذلك، لم يستسلم ماتيس. أصدر بعدها بياناً كرّر فيه القول إنه «لم يُتَّخَذ أي قرار بشأن وقف التدريبات العسكرية المستقبلية».
في هذا الوقت، كان نفوذه يتناقض، وتجاهُل ترامب له يتواصل. وبالاستناد إلى تقارير إعلامية، كان هذا الصيف مليئاً بالخلافات بينه وبين ترامب، إن كان في ما يتعلق بقمة «حلف شمال الأطلسي» أو بإنشاء قوة فضاء تابعة للجيش، أو باتفاق باريس للمناخ، أو حتى ربطاً بنقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. لكن هذه الخلافات ليست غريبة بين الطرفين، وكان من المتوقّع أن تظهر منذ زمن، على الرغم من سياسة الاستيعاب التي اتبعها ماتيس مع ترامب. نظريات كثيرة حفّزت على ظهورها، منها ما أشار إليه فريد كابلان في موقع «سلايت»، عن أن ترامب وظّف ماتيس، بناءً على فرضية خاطئة، وهي تسميته في بعض الدوائر بـ«الكلب المسعور»، الأمر الذي اعتبره الرئيس الأميركي «أساساً للحصول على قاتل متوحّش حريص على التعذيب». تجد هذه النظرية صداها في الواقع، ذلك أن ماتيس يعتبر تقليدياً جداً بالنسبة إلى ترامب، خصوصاً في ما يتعلق بالسياسة الخارجية. هو يؤمن بالتحالفات (خصوصاً حلف الأطلسي)، والتزام المعاهدات، والتجارة الحرة، والدبلوماسية، كذلك فإنه لا يثق بروسيا.
ولكن الأمر لا ينتهي هنا، ففضلاً عن الخلافات السياسية المحدّدة، جاء كتاب بوب وودوارد «خوف: ترامب في البيت الأبيض»، ليغذّي نفور الرئيس من وزير دفاعه. اقتبس وودوارد عن ماتيس مقارنته ذكاء ترامب بذكاء تلميذ في الصف الخامس أو السادس. ما سمح للأخير بأن يطلق العنان لغرائزه وهواجسه. وعلى الرغم من أن ماتيس وصف ما ذُكر في الكتاب بأنه «خيال»، لكن ذلك لم ينفع مع رئيس طالما عُرف بشخصنته لمختلف القضايا. هو رد ساخراً بالقول إن ما جاء في الكتاب «أجمل اقتباس قيل عني على ما أظن». ولكن في المجالس الخاصة، بدأ يصف ماتيس بـ«الكلب المعتدل» ويروّج، في السر وفي العلن، أنه ديموقراطي في القلب. وبما أن غالبية الأمور في الإدارة ترتبط بمشاعر ترامب، فقد راح يعرب عن كرهه لفكرة أن الجمهوريين والديموقراطيين ينظرون إلى ماتيس على أنه الشخص الناضج في الإدارة، معتبراً في الوقت ذاته أن هدفه التفوّق عليه.
ربما لا يُحسم الجدل بشأن مصير ماتيس قريباً، وقد يبقى مفتوحاً إلى ما بعد انتخابات التجديد النصفي للكونغرس. ولكن إلى ذلك الحين، من الجائر التساؤل عمّا إذا كان مصيره سيكون مشابهاً لمصير سابقيه من الزملاء، خصوصاً أن ثقة ترامب بنفسه في الإدارة ارتقت أكثر من السابق، بعد طرد تيلرسون ومستشار الأمن القومي اتش آر ماكماستر، اللذين لم يتشارك معهما وجهات النظر إلا نادراً. هذان الاثنان استُبدل بهما مايك بومبيو، الذي وطّد العلاقات مع ترامب عندما كان مديراً لوكالة الاستخبارات المركزية، وجون بولتون الذي يعتبر من الصقور، والذي جذبت تعليقاته غرائز ترامب.
بعد طرد تيلرسون، قال ترامب لعدد من الصحافيين: «أنا حقاً في مكان حيث بتّ أكثر قرباً من الحصول على الحكومة التي أريدها». وبحسب صحيفة «بوليتيكو»، يبدو أن استبدال ماكماستر ببولتن قرّبه، أكثر فأكثر، من الحصول على حكومته، فهل جاء دور جايمس ماتيس؟