استغلّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، زيارته لبراتيسلافا ليوبّخ حلفاءه الأوروبيين الذين لا يحترمون «المبادئ الأوروبية»، وذلك فيما يُحيي الغرب، خلال الأسبوع الجاري، ذكرى مرور مئة عام على تأسيس تشيكوسلوفاكيا، بمشاركة ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، ووزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس. براتيسلافا هي محطة ماكرون الأولى، حيث سيلتقي مساءً الرئيس التشيكي، ميلوش زيمان، المعروف بمواقفه المعادية للهجرة، وهجومه المتكرّر على الصحافة. لاحقاً، سيلتقي رئيس الوزراء أندريه بابيش، الذي سيكون قد استقبل قبل ذلك ميركل. أما ماتيس، فسيحضر اليوم عرضاً عسكرياً كبيراً في براغ، محطّة ماكرون التالية، بحضور القادة السلوفاكيين أيضاً.
«أف-35» بدل «رافال»
واستهدف ماكرون بلجيكا أوّلاً، مبدياً «أسفه» لقرار الحكومة البلجيكية شراء مقاتلات «أف-35» أميركية بدلاً من طائرات أوروبية، واصفاً القرار بأنّه «مخالف استراتيجياً للمصالح الأوروبية».
وكانت الحكومة البلجيكية قد أعلنت، أمس، قرارها حيازة مقاتلات «أف-35»، لاستبدال أسطولها المتقادم من طائرات «أف-16»، على حساب مقاتلات «رافال» الفرنسية. ويبدو أنّ قرار الحكومة البلجيكية قد أزعج الرئيس الفرنسي الذي يزور سلوفاكيا لطرح مشاريعه حيال أوروبا، بما فيها المشاريع الدفاعية، ليوضح أن «العرض الفرنسي جاء قبل إبرام الصفقة»، معرباً عن أسفه من «الخيار الذي اتُّخذ». وتابع أن عرض «رافال» لم يكن الوحيد، بل «كان هناك أيضاً عرض يوروفايتر. لقد كان هناك عرض أوروبي حقيقي». وفيما أقرّ بأنّ القرار «مرتبط بإجراءات بلجيكية وبقيود سياسية»، لكنّه رأى أنه «مخالف استراتيجياً للمصالح الأوروبية».
وعلى ضوء ذلك، اعتبر ماكرون أنّ «على أوروبا تطوير قدرات حقيقية في ما يتعلق بالصناعات الدفاعية في كافة الدول المقتنعة بذلك»، مؤكداً تصميمه على المضي قُدماً في هذا التوجّه. وختم قائلاً إنّ «أوروبا لن تكون قوية إلا إذا تمتّعت بسيادة حقيقية وإذا كانت قادرة على حماية نفسها. نحن نرث عادات قديمة، والمشاريع المذكورة أطلقت قبل وصولي» إلى لرئاسة.

تحذير للمجر وبولندا!
لم يكتفِ ماكرون بتأنيب بلجيكا في اليوم الأول لزيارته التي تشمل براتيسلافا وبراغ، بل وجّه أيضاً تحذيراً جديداً إلى الدول التي لا تحترم «مبادئ» الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بولندا والمجر. واعتبر أن أسلوب تلك الدول «يقتل أوروبا» التي «لا تسير باتجاه واحد بل هي التزام متبادل».
وفي مقابلة مع أربع صحف تشيكية وبولندية وسلوفاكية ومجرية، نشرت اليوم، كرّر ماكرون ما قاله العام الماضي، إن «أوروبا ليست سوبرماركت»، وعبّر عن قلقه من المواقف المعادية للمهاجرين ومخالفات مبادئ القانون في بولندا والمجر.
ويشير ماكرون تحديداً في تصريحاته إلى رفض المجر وسلوفاكيا والجمهورية التشيكية وبولندا المجتمعة في إطار مجموعة «فيشيغراد»، بشكل قاطع، توزيعاً إلزامياً للمهاجرين بين دول الاتحاد الأوروبي.
بناءً على ذلك، اعتبر أنّ هناك «مطلباً جماعياً بالتماسك والتضامن»، موضحاً أنه «لا يمكن الاستفادة من الموازنة الأوروبية من دون قبول التضامن في مجال الهجرة مثلاً».
جاء تأكيد هذه المواقف قبل سبعة أشهر من انتخابات أوروبية يتوقّع الرئيس الفرنسي أن تشهد منافسة حادة بين «التقدميين» والقوميين. ورداً على تصريحات لرئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، الذي يعتبره خصمه الرئيس في الانتخابات الأوروبية، قال ماكرون إنّ «وضع دولة القانون في المجر يشهد تطورات مقلقة» مع تهديدات حول توازن السلطات وعمل المنظمات غير الحكومية. وفيما نوّه بعلاقاته «الجيدة مع فيكتور أوربان الذي أحترمه شخصياً وكرئيس حكومة اختاره الشعب المجري»، قال إنّ «أوروبا تستهتر بتنوّع الأفكار والمعتقدات، وباستقلال القضاء والصحافة وباستقبال اللاجئين الهاربين من حملات الاضطهاد السياسي، هي خيانة لما نكون».


من تشيكوسلوفاكيا إلى تشيكيا وسلوفاكيا
قبل قرن، أنشأ التشيك والسلوفاك في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1918، تشيكوسلوفاكيا، إحدى الدول التي انبثقت عن تفكّك الإمبراطورية النمساوية المجرية. جاء تأسيس تشيكوسلوفاكيا تحت تأثير تعزز النزعة السلافية، إذ بدأت حركة تحرر لغوية وثقافية أولاً، ثم سياسية، تتّسع منذ نهاية القرن الثامن عشر، بما في ذلك بين السلوفاك، الجيران السلاف للتشيك الذين كانوا قد خضعوا لحملة فرض الثقافة المجرية عليهم.
أما استقلال تشيكوسلوفاكيا في 28 تشرين الأول/ أكتوبر 1918، فقد نجم عن قبول فيينا للشروط التي فرضها الرئيس الأميركي حينذاك وودرو ويلسون، وتقضي باستقلال شعوب إمبراطورية النمسا المجر التي خسرت في الحرب العالمية الأولى، ومثلها ألمانيا.
اصطدمت «الجمهورية الأولى» لتشيكوسلوفاكيا (1918-1938) التي كانت تعتبر «واحة ديموقراطية» في محيط من الأنظمة المستبدة، بسرعة بمشاكل مرتبطة بتعدّدها الإثني. كانت هذه الدولة تضم حينذاك 6,8 ملايين تشيكي ومليوني سلوفاكي و760 ألف مجري و477 ألف من الروسينيين و190 ألف يهودي و110 آلاف بولندي، لكن خصوصاً 3,2 ملايين من ألمان إقليم السوديت المعادين للدولة الجديدة. واتخذ الزعيم النازي أدولف هتلر ذلك ذريعة لينتزع السوديت (المناطق الحدودية) من تشيكوسلوفاكيا باتفاقات ميونيخ التي وُقِّعت في 1938، ثم جاء احتلال ألماني وإقامة «دولة سلوفاكية» مستقلة شكلياً لكنها مرتبطة عملياً ببرلين.
بعد تحريرها، شهدت تشيكوسلوفاكيا «انقلاب براغ» الشيوعي في الستينيات، قبل أن تستعيد الديموقراطية خلال «الثورة المخملية» في 1989 التي قادها المنشقّ التشيكي فاتسلاف هافيل. وبعد ثلاث سنوات، اتّفق التشيك والسلوفاك على «الانفصال الودّي» في الأول من كانون الثاني/ يناير 1993.