ها هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بعد مرور أكثر من 600 يوم على دخوله إلى البيت الأبيض، يجول في حملات انتخابية قد لا يكون الهدف المباشر منها الترويج لنفسه باعتباره مرشحاً للرئاسة، بل تأكيد حضوره على هذه الساحة بالذات، من خلال التحشيد لمرشحي الحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس.مصائر كثيرة على المحك، من بينها مصير الرئيس نفسه. اسمه غير الموجود على لوائح التصويت، لا يعني أنه لن يكون حاضراً في أذهان الناخبين. وترامب يدرك ذلك تماماً، بناءً على معرفة مُسبقة أنه إن كان لهذه الانتخابات من دور أساسي، فهو أنها تحمل طابع الاستفتاء على شعبيته، فضلاً عن نتائجها التي ستترك وقعها على ما بقي من مسيرته في البيت الأبيض.
قادة الحزب الجمهوري والديموقراطي يدركون ذلك، أيضاً، وليس عبثاً تمحوُر جزء كبير من الحملات الإعلانية والإعلامية حول الرئيس وسياسته، نظراً إلى أن نسبة قبوله لدى الناس تعدّ مؤشراً على مآلات العملية الانتخابية.
على الجهة «الديموقراطية»، جاء تقلّب ترامب وأسلوبه الانقسامي ليكون عاملاً مساعداً في حثّ المؤيّدين على التحرّك والتصويت في وجهه. وما أعطى هذا العامل فرصة، انطلاق الرئيس في أكثر برامج الحملات الانتخابية عدائية في التاريخ الرئاسي الحديث، واعتماده أسلوبه السياسي الحر بالنيابة عن زملائه «الجمهوريين».
أما على الجهة «الجمهورية»، فقد وقف قادة هذا الحزب أمام معضلة كان لا بدّ لهم من مواجهتها. هم بحاجة إلى ترامب، لاستغلال شعبيته ولدفع الناخبين إلى التصويت، إلا أن هذه الحاجة قابلتها حاجة هذا الأخير الدائمة لجعل نفسه مركز الاهتمام، فيما قد يؤدي ميله إلى قول أي شيء إلى إلحاق الضرر بالمرشحين في حزبه. وبالرغم من عدم إمكانية التنبؤ بتصرفاته، التي قد تقلب وضع الديموقراطيين وأيضاً الجمهوريين، وثق العديد من قادة حزبه بأن «اقتصاداً قوياً» سيرفع من شأن مرشحيهم إلى حدّ الوصول إلى النصر. بالنسبة إليهم، هناك محدّدات أساسية للنجاح تلعب لمصلحتهم، وهي أن أميركا لم تتورّط في حرب كبرى، فيما انخفضت البطالة، ونما الاقتصاد.
تاريخياً، طالما خسر حزب الرئيس مقاعده في كل انتخابات نصفية منذ عهد هاري ترومان


بناءً على ما تقدّم، تُطرح أسئلة كثيرة: هل يملك الديموقراطيون ما يكفي من الزخم السياسي من أجل استعادة مجلسي النواب والشيوخ من الجمهوريين؟ وإلى أي مدى ستتأثر سياسات ترامب الاقتصادية والتنظيمية في حال حصول ذلك؟ الإجابة عن هذه الأسئلة رهن بالنتائج التي ستتمخّض عنها الانتخابات النصفية. وفيما فتحت الترجيحات أبواباً على الاجتهاد بشأن مصير ترامب، إلا أنها أبقت أبواباً أخرى مفتوحة على المفاجآت.
تاريخياً، طالما خسر حزب الرئيس مقاعده في كل انتخابات نصفية جرت منذ عهد الرئيس هاري ترومان. وجاء الاستثناء الوحيد في عهد الرئيس جورج بوش الابن، عندما لعبت سياسته بعد هجمات الحادي عشر من أيلول 2001، دوراً لمصلحة الحزب الجمهوري.
أما نظرياً، فتشير الاستطلاعات الحالية إلى أن التنافس في مجلس الشيوخ هذه السنة سيكون لمصلحة الجمهوريين، فيما قد يسيطر الديموقراطيون على غالبية مجلس النواب. وما يعزّز هذه الترجيحات، الاعتقاد أن قوة ترامب المساهِمة في الحصول على نتائج جيّدة بين الجمهوريين، ستساعد في العديد من الاستحقاقات على مستوى الولايات. لكن حضوره قد يؤدي إلى نتائج عكسية في عدد من المقاطعات المنضوية ضمن الانتخابات النيابية.
لذا، تُظهر خريطة التحرّكات الانتخابية التي يعتمدها ترامب، أن الهدف الحفاظ على الغالبية في مجلس الشيوخ ــ وربما أيضاً زيادة عدد المقاعد فيه ــ إضافة إلى الحفاظ على عدد لا بأس به من المقاعد في مجلس النواب، حيث من المرجّح أن يحصل الديموقراطيون على 225 مقعداً.
بناءً عليه، وفي ظل التفاؤل المتصاعد لدى الديموقراطيين باستعادة مجلس النواب، يتحرّك ترامب مدفوعاً بنيات أخرى، أساسها «حماية الذات». هو يواصل إثارة قاعدته الانتخابية في تجمّعات ضخمة، قوامها «لنحافظ على عظمة أميركا»، وهو تتمة لشعار «اجعل أميركا عظيمة مجدداً». وتشير حملاته إلى استراتيجية لإعادة انتخابه لولاية ثانية، الهدف منها زيادة الأصوات الناخبة له في المناطق الريفية، وبالتالي حماية نفسه ضد الخسارة التي قد يحققها في المناطق الديموقراطية.
كذلك، سيطر على خطابه النَّفَس القومي المعتاد، الذي كان عنصراً فعّالاً في تحريك قاعدته الانتخابية، خلال الانتخابات الرئاسية عام 2016، إلى جانب سياسته الجدلية بشأن الهجرة. وفيما آثر ترامب الابتعاد عن التفاصيل، فقد لجأ، بشكل أساسي، إلى ترداد الحديث عن إنجازات إدارته. «لدينا أفضل اقتصاد في تاريخنا»، عبارة ردّدها في أكثر من تجمّع انتخابي، لتصبح بذلك السلاح الذي يشهره في وجه خصومه الديموقراطيين. لكن بغضّ النظر عن انخفاض نسبة البطالة إلى أقل من 4 في المئة، وارتفاع الدخل وسوق الأسهم، يبدو أن عدداً كبيراً من الأميركيين لا يوافقون على أن الازدهار قد وصل إلى مؤشر تاريخي، بل إنهم لا يعطون ترامب وزملاءه الجمهوريين الفضل في ذلك. بالتالي، فيما أظهرت بعض استطلاعات الرأي درجات قبول جيّدة بترامب، بسبب طريقة تعامله مع الاقتصاد، أعرب المستطلعون أنفسهم عن عدم رضا عن جوانب كثيرة تتعلّق بطريقة إدارة البلاد.

ما الذي قد يحصل في حال فوز الديموقراطيين
من المتعارف عليه أنه يجب على الديموقراطيين الحصول على الغالبية في مجلسي الشيوخ والنواب، من أجل السيطرة على المؤسسة التشريعية، ومنع ترامب من تنفيذ برامجه. لكن بحسب ما تقدّم، تظهر استطلاعات الرأي أن لديهم حظوطاً قوية في الفوز في مجلس النواب، بينما من المتوقع أن يحافظ الجمهوريون على مجلس الشيوخ.
مع ذلك، هناك ما هو على المحك، وترامب يُدرك ذلك جيداً، خصوصاً إذا ما حضرت في ذهنه التهديدات والتحقيقات التي قد تمثُل أمامه، في حال تمكُّن الديموقراطيين من الحصول على الغالبية في مجلس النواب. هذا فضلاً عن أن قدرته على تمرير التشريعات الكبرى، قد تواجه عراقيل. من جهة أخرى، وفيما يمنح النظام الدستوري الأميركي قوة لأي حزب يسيطر على أي من فرعي الكونغرس أو الرئاسة، إلا أنه لن يُمكّن الديموقراطيين من تمرير أجندتهم في وجه معارضة مجلس الشيوخ والرئيس، وقد يقتصر الأمر على حصولهم على موقف تفاوضي أفضل على الموازنة، مثلاً، فيما ستكون أي تحرّكات تتعلّق بالتلاعب بقانون الضرائب أو الأنظمة المالية، أو نظام الهجرة، خاضعة لمعوّقاتهم.
الأمر لا ينتهي هنا، ذلك أنّ من المحتمل أن تواجه إدارة ترامب تحقيقات جديدة، أو إعادة فتح تحقيقات قديمة، تتعلّق بالعائدات الضريبية التي لم تُعلَن، وبأعماله التجارية وتضارب المصالح، والاتهامات الجنسية التي طاولته، وصولاً إلى العلاقة مع روسيا، وتدخّل موسكو المزعوم بالانتخابات الرئاسية عام 2016.


من هنا، من المتوقع أن يتكثّف عمل لجان التحقيق في مجلس النواب، خصوصاً أن رئاسة اللجان الأساسية ستؤول إلى الديموقراطيين، مثل لجنة الرقابة والإصلاح الحكومة، واللجنة القضائية، واللجنة المعنية بالضرائب، ولجنة الاستخبارات.
أما بالنسبة إلى إجراءات عزل الرئيس وما تردّد سابقاً عن المحاولات في هذا السياق، فيبدو أنها ليست على الأجندة في الوقت الحالي. وقد أشار القادة الديموقراطيون إلى أنهم لن يسعوا إلى خلع ترامب، على الأقل إلى أن تظهر نتائج التحقيق الذي يقوم به المستشار الخاص روبرت مولر في ما يتعلق بالتدخل الروسي في الانتخابات وتعاون حملة ترامب المحتمل مع موسكو.
وفي كل الأحوال، سيكون على مجلس النواب أن يقرّر ما إذا ما كان هناك سبب جيّد للقيام بهذا الإجراء. قد يتحرّك بناءً على اتهامات بـ«الخيانة، الرشوة...» وغيرها من الجرائم والجنح الكبرى. لكن بعد التصويت عليها، سيكون عليه إرسال المواد المتعلّقة بالعزل إلى مجلس الشيوخ، حيث يتطلّب تصويت غالبية الثلثين، ما يعني أنه سيكون بحاجة إلى تصويت من قبل الجمهوريين، حتى ولو فاز الديموقراطيون بكل المقاعد التي يجري عليها التصويت، حالياً، في هذا المجلس. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذا الإجراء لم يحصل قطّ، حتى خلال محاولتي العزل السابقتين، أي في عهد الرئيس أندرو جونسون عام 1868، والرئيس بيل كلينتون عام 1999، حين فشل مجلس الشيوخ في الحصول على الثلثين المطلوبين. أما الرئيس ريتشارد نيكسون، فقد استقال من منصبه عام 1974، عندما بات من الواضح أنه سيجري عزله من منصبه.
بغضّ النظر عن الثقة التي يُظهرها الرئيس الأميركي في الحملات الانتخابية التي يقودها حالياً، ما يمكن التعويل عليه أنّ اليوم سيكون حاسماً بالنسبة إلى سياسته قبل أي شيء آخر. أسلوبه في الإدارة سيُحاكم، وربّما فتحت النتائج المجال أمام مغامرات إضافية قد يخوضها، أو تعطي الديموقراطيين بعضاً من القدرة على كبح جماحه.


أوباما في الواجهة
فيما كان دونالد ترامب يواصل جولاته الانتخابية، كان سلفه باراك أوباما يتحرّك أيضاً انتخابياً لحشد الدعم لحزبه الديموقراطي. وقبل ثماني سنوات، واجه أوباما فوزاً كبيراً للجمهوريين خلال أول انتخابات نصفية في عهده، في ما اعتبر «ثورة» التيار المحافظ في «حزب الشاي»، في ظل تدهور كبير لشعبية الرئيس الديموقراطي.
وفي انتخابات هذا العام، بات أوباما الوجه الأكثر طلباً من المرشحين الديموقراطيين لتقديم الدعم لهم، وهو الدور الذي كان يتولاه سابقاً بيل كلينتون. وقال، مساء الجمعة في أتلانتا في جورجيا حيث حضر لدعم ستايسي أبرامز، المرأة التي قد تصبح أول حاكمة سوداء البشرة تُنتخب على رأس هذه الولاية الجنوبية: «أنا هنا لسبب بسيط: لأطلب منكم أن تذهبوا للتصويت». وأضاف إن «انعكاسات الامتناع عن التصويت كبيرة لأن أميركا على مفترق طرق» و«قيم بلادنا على المحك». ومع أن أوباما لم يذكر دونالد ترامب بالاسم، فقد ندّد بخطاب يهدف كما قال إلى «محاولة إخافتكم بكل أشكال الفزاعات».
(أ ف ب)