بدأت أعمال القمة الـ24 للمناخ في كاتوفيتشيه في بولندا على وقع حدثين مهمين: الأول يتعلق بالحرائق التاريخية وغير المسبوقة التي ضربت كاليفورنيا بسبب تغير المناخ وزيادة الجفاف (رغم إنكار الرئيس الأميركي)، والثاني هو الاحتجاجات الفرنسية الأولى من نوعها في العالم رداً على «ضريبة الكربون» التي أرادت الحكومة الفرنسية أن تكون نموذجية، كمؤشر على بدء تطبيق «اتفاقية باريس المناخية» التي أبرمت منذ ثلاث سنوات. كذلك افتتحت أعمال المؤتمر على وقع تقرير مدوٍّ للأمم المتحدة للبيئة يؤكد أن الانبعاثات العالمية قد زادت في 2017 بدل أن تتراجع، متوقعاً أن ترتفع حرارة الأرض 3 درجات بحلول نهاية القرن!ليست هذه الأحداث هي وحدها المؤثرة في مفاوضات المناخ وجدوى الاتفاقات والالتزام بها، بل إن انخفاض أسعار النفط في الفترة الأخيرة بشكل دراماتيكي بفعل زيادة الإنتاج، وذلك بالتنسيق بين أكبر منتجين (الولايات المتحدة والسعودية)، يعني أيضاً زيادة في الاستهلاك والانبعاثات، خصوصاً بعد اعتماد واشنطن على النفط الصخري وزيادة الإنتاج، وبعد انسحاب دونالد ترامب من «اتفاقية باريس» والدخول في حروب تجارية كبرى، في عودة إلى قواعد السوق الأصلية: «طاقة أرخص وأوسخ تساوي قدرة أكبر على المنافسة في اقتصاد السوق».
قد لا تغير هذه الأحداث جدول أعمال المؤتمر، لكن يفترض أن تلقي بظلالها على خلفية المؤتمر والقرارات التي ستتخذ.

الموعد النهائي لبرنامج باريس
في هذا الاجتماع، سوف تنعقد جميع الهيئات الحاكمة والهيئات الفرعية التابعة لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، و«بروتوكول كيوتو»، و«اتفاق باريس». هذا الاجتماع هو الموعد النهائي للانتهاء من برنامج عمل «اتفاق باريس» والتفاصيل اللازمة لوضعه موضع التنفيذ. تجري المفاوضات حول جميع القضايا المطروحة في برنامج «باريس»، وتتعلق بعض القضايا الرئيسية بالطبيعة الدورية والتكرارية للاتفاق، إذ تقدم الأطراف أو تحدّث مساهماتها المحددة وطنياً كل خمس سنوات. كما تقدم تقارير منتظمة عن التقدم المحرز في إطار الشفافية والمساءلة، فيما يجرى تقييم عالمي كل خمس سنوات للتقدم الجماعي المحرز نحو تحقيق أهداف الاتفاق.
تركز المناقشات ذات الصلة في المفاوضات على المعلومات التي يمكن أن تحسن وضوح وفهم المساهمات المحددة وطنياً، وعلى سمات «المساهمات» وكيفية تحديد إطار الشفافية للعمل والدعم، الذي يشمل الإبلاغ عن انبعاثات غازات الدفيئة والدعم المالي المقدم والمجمع للبلدان النامية والمسائل المتعلقة بعملية التقييم العالمي، إضافة إلى الأطر الزمنية المشتركة للمساهمات وأساليب وإجراءات سجل المساهمات المحددة وطنياً.

التزامات الدول
دخل «اتفاق باريس» حيز التنفيذ في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، وقد بلغ عدد الدول الموقعة عليه، كما أعلن في كاتوفيتشي أمس، 184 (من أصل 194 دولة ملتزمة بالاتفاقية الإطارية لتغير المناخ التي أبرمت عام 1992). ويتضمن الاتفاق هدف الحد من متوسط الزيادة العالمية في درجة الحرارة إلى ما دون درجتين مئويتين عن المستوى الذي كان سائداً قبل المرحلة الصناعية، وبذل الجهود للحد من ارتفاع الحرارة عند درجة ونصف مئوية. كما يهدف إلى زيادة قدرة الأطراف على التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ وتحقيق تدفقات مالية تتوافق مع الطريق نحو خفض انبعاثات غازات الدفيئة والتنمية القادرة على مواجهة تغير المناخ والتكيف معه. وسينفذ الاتفاق لإثبات الإنصاف ومبدأ المسؤوليات المشتركة لكن المتفاوتة، والقدرات ذات الصلة في ضوء مختلف الظروف الوطنية.
في إطار هذا الاتفاق، يتعين أن تبلغ كل دولة من الدول الأطراف كل خمس سنوات على التوالي عن مساهمات محددة وطنياً تتسم بمزيد من الطموح. وبحلول 2020، سيُطلب من الأطراف التي تحتوي مساهماتها المحددة وطنياً على إطار زمني يصل إلى 2025 الإبلاغ عن مساهمات جديدة، في حين سيُطلب من الأطراف التي تحتوي مساهماتها المحددة وطنياً على إطار زمني يصل إلى 2030 الإبلاغ عن هذه المساهمات أو تحديثها.

من الأسود إلى الأسود
تنعقد الكوب 24 في كاتوفيتشي البولندية التي يطلق عليها اسم عاصمة الفحم الحجري. هي المرة الثالثة التي تنعقد فيها قمم المناخ في بولندا (عقدت في بوزنان عام 2008 ووارسو عام 2013) وهو مؤشر على التحدي الأوروبي لكيفية مواجهة تغير المناخ. فبولندا لا تزال تعتمد بنسبة 80% على الفحم الحجري لتوليد الطاقة الكهربائية، وهي النسبة الأعلى في كل أوروبا، مع الإشارة إلى اتهام الفحم الحجري بأنه الوقود الأكثر تلويثاً في العالم.
وإذ طرح عمدة كاتوفيتشي، ماركين كروبا، شعار المدينة «من الأسود إلى الأخضر»، مؤكداً أن الدورة الرابعة والعشرين لمؤتمر الأطراف «فرصة لكاتوفيتشي لتبادل خبراتها في التحول من مدينة تعدين الفحم إلى مدينة رئيسية حديثة»، كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يعد بإقفال المعامل الأربعة العاملة على الفحم الحجري لإنتاج الطاقة بحلول 2022. صحيح أن هذه المعامل لا تنتج سوى 1.8% من الكهرباء الفرنسية، لكنها تنتج ما لا يقل عن 25% من انبعاثات هذا القطاع. وقد اعترف ماكرون بأن إقفال هذه المعامل سيترك مشكلات تقنية واجتماعية. وإذ أعلن في الوقت نفسه إغلاق 4 إلى 6 مفاعلات نووية بحلول 2030 بدلاً من 2025 كما كان قد وعد سابقاً، لم نعد نفهم كيفية تمويل هذه الاستراتيجيات البيئية وهذا الانتقال بالطاقة من مكان إلى آخر، مع الاشارة إلى أن تطوير الطاقات المتجددة يتوقع أن يكلف فرنسا وحدها سبعة إلى ثمانية مليارات يورو.

ضريبة الكربون
ليست المرة الأولى التي تطرح فيها قضايا ضريبة الكربون في فرنسا أو كل دول العالم. فلطالما كانت محط جدل ومحور النقاشات والمنازعات بين الدول منذ مناقشة بروتوكول كيوتو حول المناخ عام 1997. يومها كانت الولايات المتحدة قائدة هذه الاقتراحات مع ربطها بإمكانية «بيع الكربون» كتسوية اقترحها آل غور، نائب الرئيس الأميركي آنذاك، للتهرب من الالتزامات الكبيرة بخفض الانبعاثات. أما في فرنسا، فحين تحمس ساركوزي عام 2010 لبدء تطبيق ضريبة الكربون، سرعان ما اصطدم باعتراضات، ولا سيما حول طريقة وضعها والشمولية والتخصصية... إلخ
كذلك تجدر الإشارة إلى أن التركيز على وقود النقل بالسيارات الصغيرة، الذي بدأ اعتماده فعلاً في أكثر من دولة حول العالم (غير فرنسا)، تم استسهال اعتماده لسهولة تطبيقه على المستوى الوطني، وأن التلوث على مستوى النقل البحري والجوي الذي يعتبر أكثر تلويثاً من البري لم ينجح العالم بعد في تجربة اعتماده على نحو عادل! وكانت المشكلة دائماً في كيفية تحديد الضريبة بين شركات الطيران التي تعبر الحدود وكيفية وضع هذه الضريبة وحول من يجب أن يدفعها، الدول أم الشركات أم الركاب؟ وكيفية توحيدها.
وقد طرح البند المتعلق بوقود السفن في افتتاح مؤتمر الكوب 24 عندما ذكّر مندوب السعودية بأن الأطراف لم تتمكن من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن هذه المسألة خلال الدورة الثامنة والأربعين لهيئة المشورة العلمية، ولهذا السبب لم تدع الأطراف «منظمة الطيران المدني الدولي» و«المنظمة البحرية الدولية» للإبلاغ عن عملهم خلال الدورة التاسعة والأربعين لهيئة المشورة.

فجوة الانبعاثات وأرقام قياسية جديدة
بالتزامن مع افتتاح مؤتمر بولندا، قدمت الأمم المتحدة للبيئة تقييمها السنوي لما يسمى «فجوة الانبعاثات»، وهي الفجوة بين مستويات الانبعاثات المتوقعة عام 2030 مقارنةً بمستويات تتفق مع هدف إبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية لهذا القرن عند أقل من درجتين مئويتين. تعتبر نتائج هذا التقرير أحدث محاسبة لجهود التخفيف الوطنية والطموحات التي قدمتها البلدان في مساهماتها المحددة وطنياً، التي تشكل الأساس الذي يرتكز عليه اتفاق باريس.
وتشير الأدلة التي تم الإعلان عنها إلى أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية عام 2017 قد ازدادت عن السنوات السابقة بدلاً من أن تتراجع قد وصلت إلى مستويات تاريخية عند 53.5 طن من ثاني أكسيد الكربون! ويوضح هذا التحليل استعراض التقدم المحرز في ضوء الالتزامات الوطنية بموجب «اتفاق باريس» أن الوتيرة الحالية للعمل الوطني غير كافية لتحقيق أهداف باريس. وتعني زيادة الانبعاثات والإجراءات المتباطئة أن رقم الفجوة في تقرير هذا العام أكبر من أي وقت مضى. وخلص مؤلفو التقرير إلى أن الدول يجب أن ترفع طموحها بمقدار 3 أضعاف من أجل الوصول إلى هدف الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض دون درجتين مئويتين ورفع الطموحات إلى مقدار 5 أضعاف من أجل الوصول إلى 1.5 درجة مئوية. كذلك رجّح التقرير أن يؤدي استمرار الاتجاهات الحالية إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض بنحو 3 درجات بحلول نهاية هذا القرن، مع ارتفاع الحرارة بعد ذلك.