في زيارته لبكين قبل يومين، تحدّث الرئيس الألماني فرانك شتاينماير عن كارل ماركس، متناولاً نقطتين أساسيتين: أولاً، أن «الخراب» في ألمانيا الشرقية وأوروبا حدث «باسم ماركس»، ثانياً أنّ الفيلسوف الألماني دافع عن قيم ليبرالية مثل حرية الصحافة. كلام شتاينماير جاء أمام طلاب صينيين في جامعة سيتشوان (جنوب غربي الصين)، حيث قال: «نحن الألمان لا يمكننا الحديث عن ماركس من دون التفكير أيضاً في الخراب الذي حدث باسمه في ألمانيا الشرقية وأوروبا ــ وقت الستار الحديدي المحزن». وأضاف أنّ الماركسية كانت كل شيء في ذلك الوقت، وأنّ الفرد لم يكن له أي قيمة، وكانت الأسر ممزقة، وكان الجيران يحرّض بعضهم على بعض، وكان الناس محبوسين وراء الأسوار، ومن حاولوا الفرار قتلوا».
وفي نسخة من كلمته قدمتها السفارة الألمانية في العاصمة الصينية، استدرك شتاينماير قائلاً: «مع ذلك، ليس هناك أي شك في أن ماركس كان إنسانياً عاطفياً. طالب بحرية الصحافة وظروف العمل الإنسانية والتعليم للجميع والحقوق السياسية للمرأة وحماية البيئة». وأشار إلى أنّ ماركس مفكِّر ألماني عظيم، وفيلسوف مؤثر، واقتصادي ومؤرخ وعالم اجتماع، لكنه «معلم وقائد عمالي أقل نجاحاً».

الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير (من الويب)

في كلامه على دفاع ماركس عن القيم الليبرالية وحرية الصحافة، قصد شتاينماير ستة مقالات لماركس عن حرية الصحافة نُشرت في صحيفة «Rheinische Zeitung» الألمانية وتعود إلى عام 1842.
النصوص المنشورة في الصحيفة التي شغل ماركس رئيس تحريرها في كولونيا (غربي ألمانيا) قبل أن يُنفى إلى باريس، تصنّف بكونها «ما قبل ماركسيّة»، وتندرج ضمن الكتابات المبكرة لماركس التي كانت تظهر تأثره الواضح بالمثالية الألمانية، ولا سيما بفويرباخ. يقول ماركس في المقالات التي كتبها وهو في الرابعة والعشرين من العمر إن الصحافة الحرة هي «العين المفتوحة لروح الشعب في كل مكان». ويقول أيضاً إنّ «الصحافة أكثر طريقة عامة ليتناقل الأفراد وجودهم الفكري»، وإنّ «جوهر الصحافة الحرة، هو الجوهر الغني للسمة العقلانية والأخلاقية للحرية». في هذه السلسلة غير الموقعة مثل كل مقالاته في الصحيفة الألمانية، دافع ماركس عن «الصفة الشعبية» للصحافة الحرة، في مقابل تذكية الرقابة لامتيازات أفراد من الشعب على آخرين. في هذا الإطار، يظهر تأثّر ماركس الشديد في فويرباخ في تلك المرحلة، ولا سيما عندما يقول إنّ هذه الحرية ذات طبيعة «نوعية» (générique)، أي مرتبطة بالنوع الإنساني كاملاً، وهو تعبير فويرباخي بامتياز.
وفي وجه الحجة البرجوازية التي كانت تطالب بحرية الصحافة كحرية «مهنة تجارية»، قال ماركس إنّ «الحرية الأولى للصحافة هي ألّا تكون مهنة». كذلك، أشار في المقال الرابع إلى أنّ خسارة الحرية بالنسبة إلى الإنسان هي خطر الموت الحقيقي. كما يتساءل ماركس في الصحيفة التي حجبتها السلطات البروسية في العام التالي: «ماذا يُجدي أن نُكثر الأدلة على أن حرية الصحافة ملازمة لطبيعة الصحافة، وعلى أن الرقابة هي نفيُها؟ أليس بديهياً أن ما يكون عائقاً خارجي لحياة فكرية، غريب على المستوى الداخلي عن هذه الحياة، وأنه ينفي هذه الحياة عوضاً من تأكيدها؟».

الفيلسوف الماركسي الفرنسي لوي ألتوسير (من الويب)

بحسب ألتوسير، لقد أنجز ماركس قطعاً إبستيمولوجياً خلال أعوام الـ1840، بين ما أصبح يُعرف بـ«ماركس الشاب» ذي الكتابات المتأثرة بوضوح بالمثالية الألمانية، ولا سيما بهيغل وفويرباخ، و«ماركس الناضج» المكرّس لنقد الاقتصاد السياسي. ويمكن القول إنّ هذه القطيعة تجلّت بوضوح في كتاب «بيان الحزب الشيوعي» (المانيسفتو) الذي نشره ماركس مع إنجلز عام 1847.
هذا القطع المعرفي يقسّم فكر ماركس، بحسب ألتوسير في كتابه «من أجل ماركس»، بين حقبتين أساسيتين: أولاً الحقبة الأيديولوجية، السابقة على القطيعة التي حصلت عام 1845، وبين الحقبة العلمية التي تلت هذا العام. وقد اقترح ألتوسير تسمية بعض النصوص بـ«نصوص القطيعة» في عام 1845، وهي «أطروحات حول فويرباخ»، «الإيديولوجية الألمانية»، أما الأعمال بين سنتي 1845 و1857، فأطلق عليها ألتوسير تسمية «أعمال النضوج».
وضمن أعمال المرحلة الأولى، تندرج «المخطوطات الاقتصادية والفلسفية لعام 1844» التي نُشرت للمرة الأولى عام 1932. «مخطوطات 1844» تتضمّن أفكار ماركس حول مفهوم الاغتراب (aliénation) الذي استعاره أيضاً من فويرباخ في كتاب «أصل المسيحية» (1841). وقد مثّلت «مخطوطات 1844» التي ظلّت ممنوعة وقتاً طويلاً في الاتحاد السوفييتي، أرضية لتيار «الماركسية الإنسانية» الذي استند إلى كتابات ماركس المبكرة.