برازيليا | ختم قاضي المحكمة العليا في البرازيل، ماركوس أوريليو نيتو، آخر فصول الاستقلال القضائي في البلاد، بعدما أراد المجازفة في الاختبار القاسي لعله يُنقذ ما تبقى من سلطة المؤسسة الثالثة التي تحولت إلى أداة سياسية ورهينة فريق الحاكم الجديد جايير بولسنارو. يستذكر أوريليو نيتو تصريح الابن المدلل لزعيم اليمين المتطرف، إدواردو بولسنارو، حين كانت «العليا» تتجهز للبحث في تجاوزات والده الانتخابية قبل أيام من الجولة الرئاسية الحاسمة. حينذاك، وقف الشاب بكل جرأة وخيّر السلطة القضائية بين الانصياع أو إقفالها بإرسال «جندي وعصا». التصريح الذي نظر إليه آنذاك كـ«نكتة سمجة» من شاب متحمس تحوّل إلى حقيقة بيّنة مساء الأحد بعد أن تراجعت المحكمة عن قرار قاضيها إخلاء سبيل الزعيم اليساري لويس إيناسيو لولا دا سيلفا وعدد من المحكومين. تراجعٌ تحقق مع قرع طبول «المجلس العسكري» الذي اجتمع استثنائياً في العاصمة برازيليا وبقي اجتماعه مفتوحاً حتى انبرى رئيس المحكمة، دياس توفولي، عند السابعة والنصف مساء وأعلن تجميد قرار زميله وتحويل الحكم النهائي حول هذه القضية إلى اجتماع المحكمة يوم العاشر من نيسان/ أبريل المقبل. واكتمل الضغط العسكري بتغريدة الجنرال باولو شاغاس التي دعا فيها إلى اعتقال القاضي أوريليو نيتو، واصفاً إياه بـ«الخارج عن القانون».
قرار توفولي أعاد المشهد أربعة أشهر إلى الوراء، حينما ألغى رئيس محكمة الاستئناف العليا، تمبسون فلوريس، قرار زميله المناوب روجيريو فافريتو، إخلاء سيبل دا سيلفا. حينذاك، قطع تومبسون إجازته وحضر ليلاً إلى مقر المحكمة وألغى قرار تحرير الزعيم الموقوف في سجن فيدرالي منذ نيسان/أبريل الماضي. وعلى رغم أنه لا قانونية لهذا الإجراء، فقد تكرر مساء الأحد الماضي، في أعرق المؤسسات القضائية، وهي «الفيدرالية العليا». لكن القاضي نيتو، الذي لم يستبعد دحض قراره، قال في لقاء صحافي إن المؤسسة أمام خيارين: إما أن تكون مركز عدالة وقانون، وإما ألا تكون.
تدخّل رئيس المحكمة لتجميد الحكم «بدعة قضائية» تحدث للمرة الأولى


في القراءة القانونية، يجمع الخبراء على أن الدستور يعطي للقاضي المناوب الحق في اتخاذ القرارات، ولا يلحظ الدستور أي صلاحية للرئيس أو أي قاضٍ آخر لتجميد أو إلغاء هذا القرار. وعليه، أعلن «المجلس الوطني للقضاء» شرعية قرار أوريليو نيتو، وأن القانون ينص على إخلاء سبيل دا سيلفا وبقية المحكومين، وأن اعتراض القرار من قاضي التحقيق ورفض الامتثال له «تجاوز خطير للقانون».
ومن وجهة نظرهم، تدخّل رئيس المحكمة لتجميد الحكم «بدعة قضائية»، لأن رئاسة المحكمة «مركز تشريفي لا يملك صلاحية تعطيل الأحكام، ولم يسبق في تاريخها أن تعرضت لمثل هذا الإجراء، بل دأبت المحكمة على احترام القرار الفردي لأعضائها أو مناقشة القرار والعدول عنه من صاحب الحكم نفسه». كذلك، انضم «المجلس الأعلى لمحامي البرازيل» إلى انتقاد تجميد الحكم، ما وحّد كل المؤسسات الرقابية في مقاربة المشهد القضائي المتداعي في البلاد.
على أي حال، نجح النظام العسكري في تطويع كل مؤسسات الدولة حتى قبل تسلّم بولسنارو مقاليد الرئاسة، ولم تكترث الإدارة الجديدة للمعايير القانونية ولا التراتبية القضائية، بل آتت عصا الرئيس المنتخب أكلها في التلويح أمام القضاة الذين قبلوا شروط اللعبة ومنع الحرية عن الزعيم اليساري الذي وصفه مقربون من اليمين المتطرف بأنه لا يزال يمثل الخطر الحقيقي ليس على بولسنارو وإدارته فقط، بل على المشروع اليميني برمته.
في سياق منفصل، وجّهت المدعية العامة راكيل دودج، إلى الرئيس المنتهية ولايته، ميشال تامر، اتهامات بالفساد وغسل الأموال في قضية «كسب غير مشروع»، لكن لا تمكن محاكمة تامر إلا بعد أن يغادر منصبه مطلع العام المقبل.