يستعدّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومن ورائه الجمهوريون، ورئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي ومن ورائها الديموقراطيون، لمعركتين جديدتين: إحداهما ستشهدها قاعة مجلس الشيوخ اليوم، فيما بدأت الثانية أمس بإرسال ترامب رسالة إلى بيلوسي يشدّد فيها على أنه سيلقي خطابه عن حال الاتحاد الثلاثاء المقبل، ضارباً عرض الحائط بطلبها تأجيله «لأسباب أمنية»، وهو ما سارعت بيلوسي إلى الردّ عليه، برفضها إلقاء الخطاب في الوقت الذي حدّد ترامب.في مجلس الشيوخ، يجهّز الديموقراطيون والجمهوريون أنفسهم لمنازلة على التصويت، بعدما اتفق زعيما الأغلبية والأقلية على اقتراحات متضاربة لإنهاء الإغلاق الحكومي، تبقى فرص نجاحها في إعادة فتح الوكالات الحكومية ضئيلة. وكان زعيم الأغلبية الجمهورية ميتش ماكونال، وزعيم الديموقراطيين تشاك شومر، قد أعلنا اتفاقاً أول من أمس، من أجل إجراء جولات تصويت تجريبية. وسيكون التصويت الأول حول اقتراح قانون لتأمين التمويل لكلّ الفروع المُغلقة في الحكومة حتى أيلول/ سبتمبر، بما في ذلك مشروع الجدار الحدودي مع المكسيك، الذي يطالب به ترامب. أما التصويت الثاني، فسيكون هدفه سدّ الفجوة عبر اقتراح لتمويل الحكومة حتى الثامن من الشهر المقبل، من أجل إفساح المجال لإجراء نقاش في شأن أمن الحدود والهجرة، وتفادي تأجيل خطاب الرئيس حول حالة الاتحاد أمام الكونغرس. ويتطلّب كل اقتراح قانون 60 صوتاً للمرور في المجلس المكوّن من 100 مقعد، وهي عتبة عالية بالنظر إلى الانقسام الحزبي الحاد، وتبادل الاتهامات حول مسؤولية الإغلاق.
إذا ما جُمعت هذه التحرّكات بعضها مع بعض، فهي تدل على شعور مستجد بحالة الطوارئ، والحاجة إلى الخروج من الطريق المسدود الذي وصل إليه الحزبان. مع ذلك، لم تبتعد أي من الجهتين عن النقطة المركزية التي تفصل بينهما، وهي أن ترامب لا يريد إنهاء إقفال الحكومة الفيدرالية إلا إذا حصل على تمويل بناء الجدار الحدودي، فيما يصرّ الديموقراطيون على رفض التفاوض إلا إذا أعيد فتح الحكومة. وكانت هذه الخطوة موضع انتقاد وسخرية لدى عدد من المراقبين، من بينهم وليام غالستون الذي رأى في مقالة في صحيفة «وول ستريت جورنال» أنه «لو كانت قيادة مجلس الشيوخ جدّية، لرعى كل من زعيم الأغلبية وزعيم الأقلية تشريعاً تقترن فيه الـ5.7 مليارات دولار التي يطلبها ترامب لبناء الجدار مع إعطاء الوضع الشرعي الدائم للحالمين». انطلاقاً من هذه النظرية، أوضح غالستون أنه بدلاً من ذلك، «أخضع ماكونيل الدور الدستوري المستقل لمجلس الشيوخ لأهواء الرئيس، فيما أصرّ شومر على أنه يجب إعادة فتح الحكومة قبل التفاوض بشأن الهجرة».
اتفق زعيما الأغلبية والأقلية على التصويت على اقتراحات متضاربة لإنهاء الإغلاق


في هذه الأثناء، بدأ الشعور بالملل ينتقل إلى المزيد من أعضاء الكونغرس. وبعدما أشيع عن أن بعض الجمهوريين راحوا يظهرون تململهم من تعنّت الرئيس، أفادت صحيفة «بوليتيكو» بأن مجموعة من الديموقراطيين الوسطيين في مجلس النواب سعت إلى الضغط على بيلوسي كي تواجه مقترح ترامب في شأن الهجرة، باقتراح خاص. وطلبت هذه المجموعة من رئيسة «النواب» أن تمنح ترامب تصويتاً في شباط/ فبراير على مشروعه بخصوص الجدار الحدودي، أو أي رزمة أمنية يجري التفاوض حولها، إذا وقّع على مشروع قانون يسمح بإعادة فتح الحكومة الفيدرالية. لكن عدداً من القادة الديموقراطيين قلّلوا من شأن هذه الرسالة، مؤكدين أن حزبهم موحّد في إطار رفض التفاوض إلى أن ينتهي إقفال الحكومة. وهو أمر كان قد رفضه ترامب في كل الأحوال، عندما تقدّم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام باقتراح مشابه.
معركة ليّ الأذرع، التي دخل فيها البيت الأبيض والكونغرس والحكومة الفيدرالية، تجد صداها في مكان آخر، عبر الرسائل المتبادلة بين ترامب وبيلوسي في شأن إلقاء الخطاب عن حال الاتحاد. وبعدما تمظهرت المعركة بهذا الخصوص الأسبوع الماضي برسالة طلبت فيها رئيسة مجلس النواب من الرئيس تأجيل الخطاب لأسباب أمنية، أرسل ترامب رسالة إليها أمس، أخبرها فيها أنه يخطط لإلقاء الخطاب في الكونغرس الثلاثاء كما كان مقرّراً. وكانت بيلوسي قد دعت ترامب إلى إلقاء خطاب في رسالة بعثتها إليه في الثالث من الشهر الجاري، ثمّ عادت وحذّرت من إلقائه بعد نحو أسبوعين بسبب الإغلاق الجزئي للحكومة، الذي في رأيها يؤثر سلباً في التحضيرات الأمنية الواجب اتخاذها للتحضير لحدث كهذا.
لكن ترامب ردّ في الرسالة بأنه تحقّق من الأمر، ولم يكن هناك أي هواجس أمنية لدى الاستخبارات السرية. وأضاف: «لذا، سأكرّم دعوتك، وسأؤدي واجبي الدستوري، بإعطاء معلومات مهمة لشعب وكونغرس الولايات المتحدة في ما يتعلق بحال الاتحاد... سأكون حزيناً جداً تجاه بلدنا إذا لم يُلق الخطاب عن حال الاتحاد في وقته، ووفق البرنامج، والأهم من ذلك في موقعه». وكانت صحيفة «لوس أنجلس تايمز» قد كشفت أن البيت الأبيض يدرس إلقاء الخطاب في مكان آخر قد يكون خارج واشنطن، في حال إصرار بيلوسي على موقفها.