تواصل الولايات المتحدة إشاعة جو من التفاؤل بشأن المحادثات التي تجريها مع حركة «طالبان»، واصفة إياها بالـ«مُشجعة»، في الوقت الذي تحاول فيه حكومة الرئيس أشرف غني إيجاد مكان لها في هذه المفاوضات، مستشعرة إمكانية تكريس «طالبان» لاعباً أساسياً، من دون أن يكون لها قولٌ في هذا الشأن. وعلى أثر إعلان تحقيق تقدّم خلال مفاوضات غير مسبوقة في قطر، الأسبوع الماضي، قال وزير الدفاع الأميركي الجديد باتريك شاناهان: «أود أن أقول إن الاستنتاجات التي استُخلِصَت، أنها (المحادثات مع طالبان) مشجعة».
وقبيل لقائه الأمين العام لـ«حلف شماليّ الأطلسي» ينس ستولتنبرغ في واشنطن، أضاف شاناهان: «سأطلع الأمين العام على ما يحدث هنا في وزارة الدفاع، وكذلك ما يحدث في وزارة الخارجية»، مؤكداً أنه «بالنسبة إلى كثر، يتعلق الأمر بضمان مواصلة التنسيق الوثيق مع شركائنا في التحالف». وامتنع الوزير عن الرد على سؤال بشأن احتمال انسحاب نصف القوات الأميركية، البالغ عديدها 14 ألف جندي، من أفغانستان، وهو ما يريده الرئيس دونالد ترامب، وفقاً لمسؤولين أميركيين.
من جهته، قال ستولتنبرغ إنّ «من السابق لأوانه» الحديث عن انسحاب قوات «حلف الأطلسي» من أفغانستان. وأضاف: «نحن في أفغانستان لتهيئة الظروف من أجل التوصل إلى تسوية سلمية من طريق التفاوض». وتابع الأمين العام لـ«حلف الأطلسي»: «لن نبقى أكثر من اللازم، لكننا لن نغادر حتى يكون لدينا وضع يسمح لنا بالخروج أو خفض عدد الجنود المنتشرين، من دون التشكيك في الهدف الرئيسي لوجودنا، وهو منع أفغانستان من أن تصبح ملاذاً للإرهابيين في جميع أنحاء العالم».
إلا أن المبعوث الأميركي إلى أفغانستان زلماي خليل زاد، أكد أن لدى واشنطن مشروع اتفاق إطار يجب بلورته قبل أن يصبح اتفاقاً، مضيفاً أن حركة «طالبان» التزمت القيام بما هو ضروري، للحيلولة دون تحويل البلاد إلى قاعدة للتنظيمات الإرهابية الدولية. ونقلت صحيفة «ذي نيويورك تايمز» عن خليل زاد قوله إن «من شأن الاتفاق بين الطرفين أن يؤدي إلى انسحاب كامل للقوات الأميركية مقابل وقف إطلاق النار ومشاركة طالبان في مفاوضات مع الحكومة الأفغانية».
وفي الوقت الذي يمتنع فيه الطرف الأميركي عن الإفصاح، فعلياً، عمّا إذا كان سينسحب كاملاً من إفغانستان، أفاد مسؤول حكومي أميركي رفيع المستوى، بأن واشنطن ملتزمة سحبَ القوات الأجنبية من أفغانستان، لإنهاء الحرب التي دامت أكثر من 17 عاماً. وأكد عدم سعي بلاده «لوجود عسكري دائم في أفغانستان». وقال: «هدفنا المساعدة على تحقيق السلام في أفغانستان، ونرغب في شراكة مستقبلية يجري تحديدها مع حكومة ما بعد السلام، نود أن نترك إرثاً طيباً»، مؤكداً في الوقت ذاته أن «الانسحاب لا يمكن أن يحدث من دون وقف لإطلاق النار».
ولكن يبدو أن هذه القضية ستكون مسألة شائكة في الجولة المقبلة من المحادثات، المقرّر أن تبدأ يوم 25 شباط/ فبراير، إذ أشار المسؤول الأميركي إلى أن «مفاوضي طالبان يريدون انسحاباً كاملاً، قبل وقف إطلاق النار».
وبعيداً عن مسألة وقف إطلاق النار الشائكة، لم تناقش «طالبان» ضرورة إجراء محادثات مع الحكومة الأفغانية، للتوصل إلى تسوية سياسية، في وقت دعا فيه، أمس، الرئيس الأفغاني أشرف غني الحركة، إلى «بدء مفاوضات جدية» مع حكومته. وفي خطاب بثه التلفزيون من القصر الرئاسي في كابول، طالب غني «طالبان» بـ«إظهار إرادتهم الأفغانية وقبول مطلب الأفغان للسلام». وقال: «نريد السلام، نريده سريعاً، ولكن مع خطة». وأضاف: «علينا ألّا ننسى أن ضحايا هذه الحرب هم أفغان، وأن عملية السلام يجب أن تكون بقيادة أفغانية، ليس هناك أي أفغاني لا يريد بقاء قوات أجنبية في بلده إلى ما لا نهاية. لا أفغاني يريد أن يواجه هجمات انتحارية في مستشفيات ومدارس ومساجد وحدائق».
وألقى غني خطابه بعد ساعات على إعلان مكتبه أنه تلقى طمأنات من واشنطن، بأن المحادثات في قطر لا تزال تركّز على إحضار المتمرّدين إلى طاولة التفاوض مع كابول. الطمأنات الأميركية جاءت بعدما كانت السلطات الأفغانية قد عبّرت، في السابق، عن استيائها لاستبعادها عن محادثات قطر، محذّرة من أن أيّ اتفاق بين الولايات المتحدة و«طالبان» يتطلّب موافقة كابول.