سريعاً ضربت البلبلة صفوف اليمين البرازيلي، كاشفة عن تمايز، إن لم يكن انقساماً، بين جناحَيه على عناوين سياسية واجتماعية متعددة. عناوين يبدو لافتاً أن موقف البرازيل من قضية القدس يتصدّر قائمتها، في ظلّ معلومات لـ«الأخبار» عن رفض نائب الرئيس قرار رئيسه في هذا الإطار. ووسط استمرار الخلافات، وعلى رغم النصائح بالتوحّد بمواجهة اليساريين، إلا أن الأمور تبدو متجهة نحو تصعيد أكبر.لم يَحتَج اليمين البرازيلي الحاكم إلى أكثر من شهر واحد حتى يبرز الانقسام الحاد بين «الحزب الاجتماعي الليبرالي» المتطرف، المدعوم من التيار الإنجيلي، والذي يمثله الرئيس الحالي جايير بولسنارو، وبين المؤسسة العسكرية التي يمثلها نائب الرئيس الحالي، الجنرال هاميلتون موراو. التناقض العميق بين شريكَي السلطة كان واضحاً منذ انطلاقة الحملة الانتخابية لبولسنارو العام الفائت. تناقضٌ برز في الخطابات المختلفة والمقاربات العكسية لعدد من القضايا. كاد هذا الصراع ينفجر بعد تصريحات لموراو عن ضرورة إيقاف الرواتب الإضافية، أتبعها بإعلان دعم مرشح رئاسة بلدية ساوباولو، جوان دوريا، من دون العودة إلى بولسنارو أو حتى أخذ رأيه، لكن ضرورة المعركة ضد «حزب العمال» هدّأت نيران الطرفين، اللذين نُصحا بأن أي تباعد بينهما سيصبّ في صالح المرشح اليساري، فرناندو حداد. إلا أن الخلاف المستعر تحت الرماد اختصرته صحيفة «فوليا دي ساوبالو» الشهيرة في مقال نشر في الـ27 من أيلول/ سبتمبر الماضي تحت عنوان: «الجنرال لا يطيع الضابط».
اتخذ الجنرال هاملتون موراو من تقلّده للرئاسة بالوكالة منصة لإعلان تمايزه عن رئيسه القابع في مستشفى «ألبرت أنشتاين» الإسرائيلية، وسط ساوباولو، بعد خضوعه لعملية جراحية وتمديد مدة بقائه حتى الأسبوع المقبل، على إثر تدهور حالته بعد إجراء العملية. تمايزٌ لامس حدّ التمرد على قرارات بولسنارو وحلفائه، وطال قضايا سياسية استراتيجية، أهمها تأكيده للسفير الفلسطيني إبراهيم الزبن، والوفد الكنسي المقدسي الذي يزور البرازيل للمرة الأولى، أن بلاده ليست في وارد نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس. وفي اتصال مع «الأخبار»، أعرب الزبن عن ارتياحه للقاء الذي دام 45 دقيقة، وأكد فيه الرئيس البرازيلي بالوكالة استمرار بلاده في تبنّي موقفها التاريخي من القضية الفلسطينية. وكشف الزبن أن موراو وصف قرار نقل السفارة بـ«الوعد الانتخابي»، ونقل عنه قوله حرفياً إن «الفرق بين ما يقال أثناء الحملة الانتخابية وما يتحقق منه على الأرض كالفرق بين السماء والأرض».
الأيام المقبلة ستشهد حماوة في الصراع الداخلي بين قطبَي الحكم


لم يقتصر التباين بين الرئيس بولسنارو ونائبه موراو على القضايا السياسية، بل طال القضايا الاجتماعية الأكثر حساسية، خصوصاً بعد تصريح الأخير بوجوب إعطاء الحرية للمرأة في قرار الإجهاض، الأمر الذي أشعل غضب الكنيسة الإنجيلية، وأثار حفيظة عائلة بولسنارو. ونقلت صحيفة «فوليا دي ساوباولو» عن أحد أبنائه قوله إن موراو يسعى إلى إبراز نفسه كرجل دولة يملك كفاءة سياسية أكثر من والده. ويجمع المقربون من القصر الرئاسي البرازيلي على أن الرئيس بالوكالة تخطّى كل الأعراف في ممارسة مهامه، ويذهب البعض إلى اتهامه بالانقلاب على الاتفاقات المبرمة بين الطرفين، وإعلان نفسه رئيساً فعلياً للبلاد، خصوصاً بعد مغازلته «العماليين» عبر إعلانه أن السماح للرئيس البرازيلي الأسبق، لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، بالخروج المؤقت من معتقله للمشاركة في دفن شقيقه هو «أمر إنساني».
مصادر إعلامية تحدثت عن أجواء من الشحن والإحباط داخل الدائرة الضيقة المحيطة بالرئيس بولسنارو، والتي باتت تقارب العلاقة مع موراو بطريقة سلبية، متهمة إياه بالعمل على إضعاف الرئيس المنتخب، ورفع الغطاء القضائي عن نجله إدواردو بولسنارو، المتهم بتقاضي أموال غير مصرّح بها. اتهامات ما لبثت أن طالت أيضاً السيدة الأولى ميشالي بولسنارو. وتستمر الأسئلة الداخلية عن دور موراو في الإضاءة على فشل مهمة فريق الإنقاذ الإسرائيلي الذي استدعاه بولسنارو للمساعدة في البحث عن مفقودي كارثة «برومادينو»، واتهامه بالإيعاز إلى قائد فرق الإنقاذ البرازيلية، الكولونيل إدواردو أنغولي، بالإعلان عن أن الطاقم الأجنبي لا يملك معدات صالحة لهذه المهمة. تصريح أبطل الدعاية «البولسناروية» التي زعمت أن حلفاءه الإسرائيليين هبّوا لنجدة بلاده، وأبطل أيضاً نظرية التفوق التكنولوجي الإسرائيلي التي تغنّى بها دائماً بولسنارو وحلفاؤه، واعدين البرازيليين باستثمارات كبيرة في هذا المجال.
يؤكد الخبراء أن الأيام المقبلة ستشهد حماوة في الصراع الداخلي بين قطبَي الحكم بعناوين سياسية واجتماعية. مواجهةٌ قد تكشف اللثام عن حقيقة أبعد من خلاف في الرأي وتنوع في النظرة السياسية، لتصل إلى انعدام الثقة، الذي سيؤدي إلى مواجهة قاسية سيسعى فيها أحد الطرفين إلى إزاحة الآخر.