في ضوء التوازنات الجديدة في مناطق الصراع، تسعى إدارة دونالد ترامب، عبر تشكيل تحالف عربي شبيه بـ«الناتو»، إلى نقل المنطقة إلى مرحلة جديدة سياسياً وعسكرياً عنوانها «تسييج» دول الخليج ومصر والأردن بتعهدات واتفاقات اقتصادية وعسكرية، تمنع روسيا من اختراق منظومة حلفاء الولايات المتحدة بالنموذج الذي تسعى إلى إرسائه، القائم على علاقات متوازنة مع مختلف الأطراف الفاعلة في آن واحد، ولا سيما إيران وإسرائيل والسعودية.وفضلاً عن كون اختيار العاصمة البولندية وارسو لإعلان التحالف الجديد يحمل دلالات رمزية؛ لارتباط المدينة بـ«حلف وارسو» الذي شُكّل عام 1955 لمواجهة تهديدات أعضاء حلف «الناتو»، لا يبدو تشكيل الحلف الجديد مريحاً لموسكو، حتى وإن كان موجّهاً في ظاهره ضد إيران فقط. فقبل أن يتعدّى الحديث عنه حدود التسريبات، أعرب وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، رفض بلاده «حل مشكلات الأمن الدولي الواسعة بواسطة تحالفات عسكرية - سياسية ضيقة». حديث لافروف يوضحه نائبه أوليغ سيرومولوتوف، وفق ما ينقل عن الأخير مركز الصحافة التابع للوزارة في حديث إلى «الأخبار». يقول سيرومولوتوف إن «روسيا لا ترى في تشكيل تحالف عربي كالناتو مصلحة للمنطقة»، معتبراً أن سياسة واشنطن هذه «لن تسهم في تعزيز السلام في الشرق الأوسط، ولا تبني علاقات حسن جوار وتنمية مستدامة». ويرى المسؤول الروسي أن تسمية التحالف بـ«الناتو ليست دقيقة تماماً»، بالنظر إلى «أهداف الحلف المعلنة، وهي مكافحة الإرهاب والحفاظ على الاستقرار في الخليج»، مشيراً إلى أن «تحقيق هذه الأهداف لا يحتاج إلى التزامات ثابتة في مجال الدفاع الجماعي، كتلك التي تنصّ عليها المادة 5 من معاهدة واشنطن (تنصّ اتفاقية حلف الناتو على أن أي هجوم على عضو في الحلف يُعَدّ عدواناً على الجميع)». ويضيف سيرومولوتوف أن «رأي الإدارة الأميركية سيكون حاسماً في أي تحرك أو قرار للحلف (العربي)»، متوقعاً أن تكون أولى نتائجه «مزيداً من صفقات الأسلحة الأميركية في المنطقة».
من جهته، يبرّر المحلل الروسي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، أندريه أنتيكوف، في حديث إلى «الأخبار»، رفض بلاده تشكيل تحالفات عسكرية على غرار الـ«ناتو» بـ«أن من شأنها استغلال الصراع الطائفي بين السُّنة والشيعة»، فيما «تسعى روسيا إلى توازن في علاقاتها مع الدول المتناحرة، ولا سيما السعودية التي تمثل مركز الثقل السُّني، وإيران التي تمثل مركز الثقل الشيعي». ويلفت أنتيكوف إلى أن واشنطن تسعى إلى «عرقلة المساعي الروسية في المنطقة، عبر إدخالها في مرحلة جديدة سياسياً وعسكرياً»، وذلك بعدما فشلت في التوصل إلى اتفاقات مع روسيا في شأن العلاقة مع إيران. ويذكّر، في هذا الإطار، باجتماع رئيسَي البلدين، فلاديمير بوتين ودونالد ترامب، في تموز/ يوليو الماضي في هلسنكي عاصمة فنلندا، حيث سعى الأخير إلى اتفاق على خروج إيران من سوريا «لكن مساعيه باءت بالفشل بعد رفضه عرضاً روسياً بالمساعدة، مقابل تنازلات أميركية من قبيل رفع الحظر النفطي عن إيران». لكن أنتيكوف يرى أن سياسة واشنطن هذه «تجعل المشروع الروسي أكثر قبولاً» لدى دول المنطقة، مشيراً إلى أن «روسيا تروّج أيضاً لمفهوم الأمن في الخليج، من خلال الأخذ بالاعتبار في علاقاتها مصالح جميع دول المنطقة».
وفي حين أن دولاً كروسيا والصين، دائمة العضوية في مجلس الأمن، لا تسمح باستبعادها، تخشى واشنطن من أن تتجه دول المنطقة، في ظلّ سياسة «الحلب» المتّبعة منذ عامين، إلى البحث عن خيارات جديدة (وليست بديلة) للتعاون العسكري والاقتصادي والتكنولوجي، الأمر الذي عبّر عنه ترامب أثناء دفاعه المستميت عن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي.