كشف مؤتمر الأمن الذي عُقد في ميونخ، أول من أمس، عن انقسام عميق بين الأوروبيين والأميركيين، تبدّى من خلال هجوم واسع النطاق على السياسة الخارجية لإدارة الرئيس دونالد ترامب، شنّه القادة الأوروبيون، ومسؤولون ديموقراطيون، وأيضاً جمهوريون. المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل ــــ التي طالما أبدت حذراً درءاً لاستفزاز ترامب ــــ، قادت التحرّك، مُطلقة العنان لانتقاد لاذع لميل الإدارة الأميركية إلى معاملة حلفائها كأنهم أعداء. وقد بدا خطابها كأنه تنفيس عمّا في داخل القادة الأوروبيين، إذ اتهمت واشنطن بأنها «تقوّي إيران وروسيا عبر خطتها للانسحاب السريع من سوريا»، كما أعربت عن صدمتها من اعتبار إدارة ترامب أن «سيارات البي إم تهديد للأمن القومي»، وذلك تعليقاً على قول وزير التجارة الأميركي ويلبور روس، إن السيارات الألمانية تشكل تهديداً للأمن القومي للولايات المتحدة. فضلاً عن ذلك، رثت ميركل «النظام العالمي الأميركي»، معتبرة أنه «انهار إلى قطع صغيرة عدّة».
بحسب صحيفة «واشنطن بوست»، أظهر خطاب ميركل المسافة التي وصلت إليها الولايات المتحدة في ابتعادها عن حلفائها التقليديين خلال عهد ترامب، كما عكس حرص الأوروبيين على إبداء ازدرائهم لمقاربات ترامب، وهو «ما تفادوه خلال مؤتمر العام الماضي، حينما كانوا متردّدين في إبداء عمق قلقهم بشأن وضع العلاقة عبر المحيط الأطلسي»، وفق ما أشار إليه إيان بريمر، رئيس مجموعة «أوراسيا». «الآن هناك الكثير من الغضب الذي يجري عرضه علناً، وذلك ربطاً بواقع أن العلاقة باتت متصدعة»، أضاف بريمير، معتبراً أن إدارة ترامب «لا تفهم بأن الأمر لا يتعلق فقط بالمبلغ الذي يدفعه الأشخاص، ولكن بعلاقة، وثقة، وكيفية التواصل، إضافة إلى القيم المشتركة».
قوبل خطاب مايك بنس بالازدراء من الأوروبيين


بعد ميركل، صعد نائب الرئيس الأميركي، مايك بنس، إلى المنصة، وسط تصفيق فاتر، وبعض النظرات المشكّكة، وفق تعبير بعض الصحف الأميركية. ومن هناك، أعلن أن ترامب هو «قائد العالم الحر». «جئنا إلى هنا لنؤكد أن التزامنا بأميركا أولاً لا يعني أميركا وحدها، ولنخبر القادة والحلفاء والدول حول العالم بأن أميركا أقوى من قبل، وأميركا تقود عالمياً مرة أخرى»، قال بنس. ولكن المسؤول الأميركي، الذي أوصل التطمينات لحلفائه، مؤكداً التزام بلاده بحلف «شمالي الأطلسي»، ومحتفلاً بـ«النصر المشترك ضد الجماعات الإرهابية»، سجّل في الوقت ذاته نقداً لاذعاً للشركاء الغربيين. وإذ أعطى الفضل لترامب، الذي دفع حلفاءه في الحلف «الأطلسي» إلى إنفاق المزيد على الدفاع، فقد أصرّ على أنهم لا ينفقون ما يكفي. كذلك، جدّد مطالبة حلفائه باتباع خطوة الولايات المتحدة والخروج من الاتفاق النووي مع إيران، وهو ما كان قد دعا إليه خلال مؤتمر وارسو. «حان الوقت كي ينسحب حلفاؤنا الأوروبيون»، قال نائب الرئيس الأميركي.
قوبل خطاب بنس بالازدراء من الأوروبيين، الذين شعروا بأن لهجته العدائية ستؤدي إلى المزيد من المعارضة. ولكن بعيداً عن الهوة الظاهرة بين أميركا وأوروبا، كانت الانقسامات الأميركية الداخلية بادية بقوة في مؤتمر ميونخ. فبعد ساعات على مغادرة بنس المنصة، صعد سلفه جو بايدن ليلقي خطاباً أشاد فيه بالتعددية، والحلفاء، وبالتعاون في صناعة القرار. «أميركا التي أراها لا تريد أن ندير ظهرنا للعالم أو لحلفائنا المقرّبين»، قال بايدن، مشيراً إلى الالتزام بحلف «شمالي الأطلسي» والاتحاد الأوروبي. بايدن لم يقف عند هذا الحد، فقد طمأن المجتمعين إلى أن «الترامبية لن تدوم».
ولكن هنا أيضاً، لم يكن الديموقراطيون والأوروبيون وحدهم من انتقدوا ترامب. السيناتور الجمهوري، ليندسي غراهام، أشاد بالرئيس لأنه سعى إلى تغيير وضع السياسة الخارجية، إلا أنه عبّر عن تعارض مع خطوته الخروج من سوريا وأفغانستان، «من دون استشارة الحلفاء».
أما إيرانياً، فقد ندّد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بتصريحات بنس. وقال إنه «طلب بغطرسة من أوروبا، على أرضها، أن تنضم إلى الولايات المتحدة (وتنسحب من الاتفاق النووي الإيراني)، وأن تضرّ عبر ذلك بأمنها»، مضيفاً إن «اتهاماته المشينة لإيران، بما فيها مزاعمه الجاهلة عن معاداة السامية، سخيفة وخطيرة في الوقت نفسه».